بسم الله الرحمن الرحيم
محمد بن عبد الكريم بكر
قبل أكثر من عامين كتبت مقالاً ("الاقتصادية" 12/9/1425هـ) بمناسبة الإعلان عن خدمات جديدة أضيفت إلى الموقع الإلكتروني "تداول"، المصدر الرسمي للمعلومات عن سوق الأسهم السعودية، وأشرت يومها إلى المعاناة التي يواجهها المستثمرون في البحث عن بيانات ومؤشرات ذات مصداقية يمكن الاعتماد عليها في بناء قرارات استثمارية سليمة، كما بينت بعضاً من الإيجابيات التي ستجنيها السوق من الالتزام بمعايير إفصاح متوافقة مع ما هو معمول به في الأسواق الناضجة.
وبالرغم مما لمسناه في الآونة الأخيرة من تطوير نوعي وكمي في محتويات موقع "تداول"، إلا أن المعلومات والبيانات المتاحة عن الشركات المدرجة في السوق مازالت دون الحد الأدنى من المطلوب توفيره. بل قد لا نبالغ إن ذهبنا إلى القول إن معظم تلك الشركات معلوماتها مُغّيبة عدا اسم الشركة، تاريخ تأسيسها، اسم مراجع الحسابات، عنوان الشركة، رأس المال، أعضاء مجلس الإدارة، والقوائم المالية التي تُنشر بشكل دوري في الصحف. ليس ذلك فحسب، بل إن بعضاً من تلك الشركات لم تجر تحديثاً لمواقعها الإلكترونية منذ أكثر من عامين!.
هناك حدود دنيا للإفصاح في الأسواق العالمية متاحة لعموم الجمهور، وليس فقط لجهات الرقابة، من بينها الإفصاح عن أسماء المساهمين الذي يملكون نسبة 5 في المائة أو أكثر من الأسهم، أسماء المؤسسات والصناديق العامة التي تمتلك حصصاً مهما كانت قيمتها، وأسماء الذين لديهم صلاحية الاطلاع على معلومات داخلية في الشركة وقاموا بعمليات بيع أو شراء أسهم والتواريخ التي تمت فيها تلك الصفقات والتواريخ التي تم فيها إشعار هيئة السوق بها.
كذلك، لا بد من الإفصاح الكامل عن الحصص التي يملكها أعضاء مجلس الإدارة في الشركة لكل منهم بعينه، المكافآت والمميزات التي يحصلون عليها، الرواتب والبدلات التي تدفعها الشركة لرئيسها وكبار التنفيذيين الآخرين، وتداولاتهم وأقاربهم (وليس القًصّر فقط!). كما أن متطلبات الإفصاح تقضي بإحاطة السوق بأي قرارات أو عقوبات تصدر من هيئة السوق المالية وتؤثر في نشاط الشركة، وينبغي كذلك إطلاع السوق وبشكل فوري على أي طلبات تكون الشركة قد تقدمت بها للهيئة. ثم هناك الإفصاح عن الجوانب التجارية لنشاط الشركة مثل حصتها في السوق، برامجها للربع القادم، أسماء منافسيها وحصصهم في السوق.. إلى آخره.
إن إحدى المشكلات التي تلقي بظلالها على سلوكيات سوق الأسهم السعودية أن الكثير من المؤسسين وكبار المستثمرين في الشركات المساهمة ومجالس إداراتها مازال يحتفظ بأدبيات إدارة أملاكه الخاصة كالعمل في الخفاء، كتمان برامج الشركة باعتبارها أسراراً لا يطلع عليها أحد غيره، المزاجية والشللية في اختيار الموظفين. وغيرها. ويبدو أن أولئك الملاك عندما دفعوا بشركاتهم إلى ساحة الاكتتابات العامة لم تشغل بالهم قضية الإفصاح وما يترتب عليها من مشاركة للجمهور في كل صغيرة وكبيرة، بل كان شغلهم الشاغل الحصول على أكبر علاوة إصدار والتنازل عن أقل حصة ممكنة من رأسمال الشركة كي تستمر الأمور على ما كانت عليه في الأيام الخوالي.
من المهام الأساس التي أسندها نظام السوق المالية إلى الهيئة كما جاء في مادته الخامسة:
"تنظيم ومراقبة الإفصاح الكامل عن المعلومات المتعلقة بالأوراق، والجهات المُصدرة لها، وتعامل الأشخاص المطلعين وكبار المساهمين والمستثمرين فيها، وتحديد وتوفير المعلومات التي يجب على المشاركين في السوق الإفصاح عنها لحاملي الأسهم والجمهور". وهذا يدعونا للتساؤل عما إذا كانت هناك معوقات، بعد كل هذه المدة منذ صدور النظام في 2/6/1424هـ، تحول دون إلزام الشركات المساهمة المدرجة في السوق السعودية بمعايير إفصاح مماثلة لما هو معمول به في الأسواق الأكثر انضباطاً؟
هناك خطوات تبنتها هيئة السوق المالية في ذلك السياق من بينها المادة الثلاثون من قواعد التسجيل والإدراج الصادرة من قبل مجلس إدارة الهيئة قبل أكثر من عامين التي تم التذكير بها في مطلع العام المنصرم بإعلان يحدد آلية إشعار الهيئة عن ملكية حصص كبيرة من الأسهم (5 في المائة أو أكثر) في الشركات المدرجة في السوق، وملكية عضو مجلس الإدارة أو المدير التنفيذي لأسهم في الشركة التي يعمل فيها مع ضرورة بيان الغرض من التملك ومصدر التمويل. لكن بالرغم من مضي تلك الفترة الطويلة على صدور تلك القواعد وما تلاها من تذكير إلا أنه لم يُكشف حتى الآن للجمهور عن الحصص الكبيرة (سوى حالتين، أو ثلاث) التي يملكها بعض الأفراد والعائلات في العديد من شركات السوق ولا سيما البنوك.
إن الركون إلى عامل الزمن لمعالجة تلك السلوكيات في السوق لن يحقق شيئاً بل ستزداد المشكلة تعقيداً واتساعا. ومن ثم فإنه يجدر بالهيئة المبادرة في مواجهة تلك المشكلة من خلال مسارين، أحدهما نشر ثقافة الإفصاح بتنظيم ورش عمل إلزامية Required Workshops لأعضاء مجالس الإدارات وكبار التنفيذيين في الشركات المدرجة تقام في مواقع عملهم. أما المسار الآخر، وهو الأكثر فاعلية، فهو أن تحدد الهيئة جدولاً زمنياً مع عقوبات متدرجة للشركات تلتزم بموجبه الإفصاح عن حزمة من المعلومات، ثم حزمة أخرى، ثم أخرى وهكذا حتى نصل إلى إفصاح كامل يدرأ عن السوق الكثير من الاحتيال والتضليل.
منقوووووول
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته