العاطفية أم الأصولية في سوق الأسهم؟
د. سليمان عبدالله السكران
يحاول المنظرون والمهتمون في العلوم المالية خصوصاً والاقتصاديون دائماً ايجاد فهم لسلوك الأسواق المالية وكيفية تصرفها طمعاً في التعرف على محددات ما يحركها سلباً او ايجاباً. ولذا اجريت البحوث الاحصائية والنظرية على اكثر الاسواق تقدماً وكذا على الاقل كفاءة لتكوّن لهذا الموضوع كماً كبيراً من الدراسات التي تمثل ادبيات اسواق المال وبالاخص اسواق الاسهم. لقد خلصت المدارس النظرية ونتائج الدراسات التطبيقية الى عدد من التوجهات منها ما هو مبسط جداً ومنها ما دخل في اعماق النمذجة الرياضية المعقدة متفرعة بذلك الى شعب كثيرة لا مجال لحصرها هنا. ولعل من بين التعريفات ما يسمى بالاصولية (Fundamental) وما يسمى بالعاطفية (Sentimental). ففي طرح نظرية الاصولية في سوق الاسهم يفسر السلوك والتغيرات فيه ارتفاعاً وانخفاضاً او بقاءه على نفس المستوى ما هو الا استجابة لمحددات اصولية خاصة بالشركات او الاقتصاد او الصناعة ونموها وحالتها المرحلية او جميعها او بعضها. ليبقى التفسير دائماً بوجود عامل اقتصادي يدفع لتحريك السوق اياً كان مصدره فإن كان اداء الشركات جيداً وجب التفاعل الايجابي للسهم والعكس صحيح. ودون الخوض في الكفاءة والشفافية واثرها لكي لا يتشعب الموضوع يجب الادراك ان محور الاصولية هو المعلومة الصحيحة حيث تفترض هذه النظرية وصول تلك المعلومات للسوق بشكل عادل دون تفرد مجموعة او اشخاص بمعرفتها قبل غيرهم.
اما العاطفية فهي مفهوم يفسر سلوك السوق بأنه تفاعل نفسي اما بروح تفاؤلية او تشاؤمية يتجه معها السوق بشكل ايجابي او سلبي دون تبرير منطقي من واقع محددات اقتصادية. ولتطبيق هذين المنهجين في تفسير ما جرى ويجري في السوق السعودي من الواضح ان السوق كانت تسيره المنهجية العاطفية في غياب وتغييب للتبرير الاصولي فالسوق مثلاً وابتداءً من الربع الرابع للعام (2005) وحتى تاريخه سادت العواطف في تسيير السوق واتجاهاته. وقد تم هذا بمباركة بعض العوامل في بنية السوق الاساسية كالتفرد في المعلومة والملكية وطغيان ثقافة التغريد مع الاسراب مما خلف شواهد جاءت نتائجها بعكس نظرية التقييم الاصولي خصوصاً في اسهم المضاربة اضافة الى المحافظ للأسهم ذاتها او في قطاعاته لينتهي المشهد باتجاهات تحكمها العواطف بشكل اقرب ما يكون للجنون سواءً المتفائلة عندما وصلت قيمة السوق الى حوالي 3.1 تريليونات ريال في قمتها او المتشائمة عندما وصل السوق الى حوالي 1.07تريليون. ولعلني هنا استخدم قيمة السوق اجمالاً بدلاً من قيمة المؤشر نظراً للخلل الهيكلي في المؤشر وامكانية ان تكون قيمة المؤشر دلالة واقعية ومنطقية اقتصادياً لنبض التعاملات وتقييم نمو الشركات المدرجة وادائها.
لقد كان للعاطفة والثقة النفسية في السوق دور كبير في ايصال السوق الى تلك المستويات المتناقضة ولكن الى متى يمكن لهذا المنطق ان يسود. من المؤكد ان تلك المنهجية سوف تتلاشى بسبب امرين هامين اولهما الاصلاحات الهيكلية التي من المؤمل ان تفرض في السوق للتقليل من كل تعاملات تسيرها العاطفة والتي عادة ماتفرز سيادة المضاربة المحمومة واستغلال الاقلية للعامة ممن يتعامل في السوق. وثانيهما ان المقومات الاقتصادية الايجابية التي تعتمد عليها الاصولية في التقييم سوف تظهر كحقيقة تقنع بالتالي ثقة المستثمر. وفي تقديري ان ما حصل خلال الفترة الماضية كان في السوق منهجية عاطفية ولم يكن هناك منهجية اصولية اما المستقبل فسنرى اصولية وغيابا اكبر للعاطفية. ولذا فمن المؤمل ان يحتكم السوق الى منطقية اقتصادية اكثر عدالة خصوصاً اذا ما تم احكام تطبيق مبدأ الافصاح العادل.
@ استاذ العلوم المالية المشارك - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن