العواطف والقرارات الاستثمارية
أ. محمد الفاضل
من الممكن أن تتدخل العواطف في عملية اتخاذ القرار المالي الحكيم، وهو ما انتهت إليه دراسة أجراها (أستاذ لمادة التسويق بجامعة ستانفورد)، حيث توصل إلي أن الأشخاص الذين لديهم أنواع معينة من إصابات المخ يربحون أموالا في الاستثمار أكثر من غيرهم!! في هذه الدراسة قام فريق من الباحثين بتحليل القرارات الاستثمارية التي يصنعها الأشخاص الذين يفقدون الإحساس بعواطفهم بسبب وجود أضرار معينة في المخ، وقد كان معدل الذكاء لدي هؤلاء الأشخاص طبيعيا ولم تتأثر الأجزاء الموجودة في المخ والمسئولة عن العقل والتفكير المنطقي بهذه الأضرار. العواطف هي رد فعل لأفكار تجول في أعماق المتعامل في البورصة ولهذا نستطيع القول أنها "شعور" حيث إننا نشعر بهذه العاطفة فتثير الأفكار فينتج عنها رد فعل يتمثل في اتخاذ قرار معين.
والعواطف تستجيب للأفكار، والأفكار تتأثر بالعواطف محدثة ردود الأفعال إذن فالعلاقة بينهما علاقة طردية، ولهذا تتكون لدينا معادلة حادة للتعامل في الأسواق. ولأن بعضنا معتاد على التداول لدرجة الإدمان، فلهذا كان من الضروري على المتداول أن يحاول أن ينحي العواطف عن طريقه بحيث يستطيع أن يوظف المعلومة التي يحصل عليها من الأسواق بشكل صحيح. ولهذا فالإستراتيجية الناجحة للاستثمار في البورصة هي التي لا تعتمد على العواطف، لأن السلوكيات والإدراك الحسي ممكن أن ينحرف ويؤدي إلى نتائج عكسية، وبالتالي ينحرف المتعامل عن طريقه من الهدف الرئيسي إلى أهداف غير حقيقية أو غير واقعية.
ويتأثر السلوك الإنساني في موقف معين بمجموعتين من العوامل:
1) أولهما العوامل الخاصة بالفرد ذاته: بحيث تشمل طبيعة شخصيته، ميوله، ورغباته، وعاداته واتجاهاته، وطبيعة إدراكه للأمور المحيطة. واستعداداته وقدراته ومهارات وخبراته السابقة، وغيرها من العوامل الكثيرة.
2) أما المجموعة الثانية من العوامل: فتتعلق بالمجال الذي يوجد فيه الفرد.
وقد يكون هذا المجال، أ- قاعة المحاضرات في الجامعة، ب- أو محيط الأسرة ج- أو النادي الرياضي، د- أو شركة...إلخ. وإذا كان هذا المجال هو أسواق المال، فإن المتعامل يتعرض في كثير من الأحيان لبعض المؤثرات والضغوط التي تؤثر في سلوكه ويؤثر هذا السلوك على قراراته.
وفي هذا السياق لا بد أن يعمل المستثمر علي تجنب العواطف التي تدفعه إلي التردد أو الخوف أو القلق وكذلك أن يعمل علي تفادي مخاطر العواطف في القرارات المالية، فنحن نعرف جميعا أن العواطف تلعب دوراً كبيراً في بعض الأحيان في اتخاذ القرارات المالية.. والعواطف قد تعمل علي التحكم في مدار التعاملات كلها من خلال الأخبار اليومية التي تنشر في وكالات الأنباء، أو مواقع الانترنت، أو الأداء الحالي للسوق، أو حتى من خلال الإعلانات أو الشائعات.. وفي كتابة (تناول المخاطر الحالية) ذكر الأستاذ مايك الفن أن عواطف الغضب والخوف هي أصعب العواطف التي يتم التعامل معها، حيث يري العديد من التجار أن هذه العواطف غير وظيفية ولا تهدف إلا إلي إفساد السلوك القويم للفرد.
ولنتحدث الآن عن أحد أخطر العوامل التي تقود المستثمر إلى الخسارة ألا وهو عامل الخوف. ففي أوقات كثيرة ندمر أنفسنا بسبب هذا الخوف، ربما يكون الخوف مفيداً في بعض الأحيان لنا في أمور حياتنا المختلفة إلا في إدارة الأموال والتعاملات التجارية والاستثمارية فهو يشكل خطرا كبيرا. حيث أن الخوف يؤثر على أداء المستثمر، فهو يركز دائماً في خوفه من الخسارة وينشغل عن التفكير في كيفية الكسب، وعندما يرتكز تفكيره في الخسارة فإنه يعطي العقل الباطن توجهات قوية، فالشخص لا يحصل إلى على الأشياء التي يركز فيها ويعتقد بها. والعقل الباطن يقوم بتنفيذ المعلومات التي يحصل عليها بغض النظر عن كونها مفيدة أم لا وقد قال العالم روبرت سوليفان "أن الخوف هو أسوأ العواطف التي يمكن أن تؤثر سلبا علي التجارة".
ويأخذ هذا الخوف العديد من الصور: 1) فقد يكون الخوف من الندم علي فتح الصفقة 2) أو الخوف من الخسارة 3) أو الخوف من تقلبات السوق. وهناك عدد من الدراسات التي تناولت عملية الخوف منها: أجري الباحث النفسي المعروف (ستين بار جر) دراسة تناولت عاملي الخوف والطمع تحت عنوان: "الخوف والطمع في الأسواق المالية" مع اثنين من زملاءه حيث تم دراسة دور الآليات العاطفية في صناعة القرار المالي باستخدام عينات متباينة من الأفراد. انتهت الدراسة إلي وجود روابط قوية بين التفاعل العاطفي والأداء التجاري عند قياس حجم الأرباح والخسائر. ولم تقتصر دراسة الخوف لدى المستثمرين علي هذه الدراسة بل كانت هناك العديد من الدراسات والأبحاث التي اضطلعت بهذا الجانب فعل سبيل المثال قدم الدكتور الأستاذ بكلية إدارة الأعمال جامعة شمال تكساس مناقشات حول الأخطاء الشائعة لدي المستثمرين، وذكر منها الخوف فقد أجمع كل المتخصصين سواء في علم النفس أو البورصة علي أن الخوف هو أسوأ نوع من العاطفة التي يتعرض لها المتعامل في الأسواق المالية وتؤثر على قراراته المالية والاستثمارية.
العواطف عامل مهم عند الاستثمار وهنا ناقشنا الخوف بشىء من التفصيل ولكن هناك عامل أخر هو (الطمع) وقد نناقشه في وقفات أخرى. المهم أن العواطف تؤثر على القرارات المالية والمستثمر الذي يستطيع تحييد العواطف قد ينجح ويقطف الثمار مقارنة مع ذلك الذي يغرق في عواطفه وتغرق معه استثماراته.
المصدر
http://www.alriyadh.com/2007/06/08/article255619.html