بسم الله الرحمن الرحيم
وضع صغار المساهمين في شركاتهم المساهمة «آخر من يعلم»!
في الجمعيات العمومية
في اجتماعات الجمعيات العمومية دائما ما يتم إقرار جدول الأعمال كما أعد مسبقا ما يوضح أن دور صغار المساهمين معدوم (مكرر) سواء في مناقشة جدول الأعمال أو تغيير القرارات والاستراتيجيات المحددة قبل الاجتماع. هناك أمثلة عديدة عن جمعيات لم تفعل شيئا حيث كان وجود صغار المساهمين للفرجة فقط فلم يغيروا من جدول الأعمال المرتب شيئا يذكر ولم يمنعوا تحقيق كافة النوايا المسبقة التي تعلنها الإدارة التنفيذية على الملأ والتي أقرها مجلس الإدارة وكذلك أعلنها رئيس مجلس الإدارة على رؤوس الأشهاد. قد يقول قائل، هذا أمر طبيعي ومعتاد حيث إن أعضاء مجلس الإدارة وأعضاء الإدارة التنفيذية يملكون العدد الأكبر من الأسهم والصوت الأعلى عند الحاجة إلى التصويت، وبقول آخر «هم أصحاب الحلال وأصحاب الحل والربط»!! ونقول لنأخذ حالة شركة إعمار وجمعيتها العمومية التي انعقدت مؤخرا.. لقد كان رئيس الشركة يملك غالبية الأسهم بحكم سيطرته على حصة الدولة التي تبلغ أكثر من 35? ومع ذلك تعرض لنقاشات قوية ومفاوضات عنيفة لتخفيض علاوة الإصدار ما اضطره لتقديم 15? أسهم منحة مجانية كتعويض عن عدم القدرة على تخفيض علاوة الإصدار التي هي منخفضة حسب الأسس الاقتصادية. بل إن بعض المساهمين السعوديين قد تكلموا باحتجاجات قوية تخص المعاملات المالية للشركة وبعض القرارات المهمة التي تنوي إعمار القيام بها ما يطرح تساؤلات عن الاختلاف في درجة حماس وتفاعل المساهمين السعوديين في الشركات المساهمة الخليجية مقارنة مع الشركات الوطنية. هل لسان حالهم يقول «إن تغيير الحال في شركاتنا المساهمة من المحال»!! أم أنهم فقدوا الأمل في إسماع صوتهم لمن في آذانهم وقراً !!
إحدى الشركات المساهمة قررت مؤخرا إحداث تغيير جذري في استراتيجيتها والتحول من شركة زراعية إلى شركة استثمارية وشركة أخرى قررت تغيير اسمها وتحوير نشاطها وثالثة اتخذت قرارا بنقل الرمل بدلا من الركاب و شركة زراعية أخرى قررت الدخول كمؤسس في شركة بتروكيماويات وهكذا.. كل ذلك ولم نسمع أن الجمعيات العمومية سألت سؤالا (مجرد سؤال) للتشكيك في جدوى هذه الخطوات أو حتى استفسرت (من باب العلم بالشيء) عن دواعي مثل هذه القرارات. إن قرارات واستراتيجيات الشركات المساهمة تأتي لدينا كالقول الفصل لا يستطيع صغار المساهمين إلا التوقيع والموافقة (و الشيوخ أبخص)!!
إعلانات وأخبار غامضة
يتفاجأ صغار المساهمين لدينا عادة بإعلانات غريبة وعجيبة للشركات المساهمة تعلن في الموقع الرسمي للتداول فتأتي صفة أنهم آخر من يعلم بان هناك أمراً ما مع صفة أنهم آخر من يفهم الإعلان كما يجب وبطبيعة الحال يكونون آخر من يستطيع استثمار الخبر الإيجابي أو تجنب الخبر السلبي. هناك جملة من الأخبار والإعلانات التي تأتي ناقصة أو غامضة أو مبتورة (أو كل ما سبق)!! حتى أنها أصبحت مضرب مثل يتم التندر بها في المنتديات فتضيف صعوبات جمة على كاهل صغار المساهمين عند اتخاذ القرارات الاستثمارية فيلجؤون إلى تفسيرات وشروحات إضافية قد تكون هي الأخرى ملغمة ويتم توريطهم حتى آخر ريال!!
علاوة على الغموض في الإعلانات يبدو واضحا لمن يملك عينين فقط وليس أربعا!! انه يتم التفاعل مع الإعلانات إن سلبا أو إيجابا قبل ظهورها على الشاشة ليراها صغار المغلوبين وذلك من خلال التحركات السعرية الاستباقية التي تنبئ بتسرب الأخبار والإعلانات قبل النشر والاطلاع. من المسلم به حسب إجراءات الحاكمية الإدارية أن أهم حقوق صغار المساهمين الحق في الاطلاع على أخبار وقرارات الشركة في التوقيت المناسب وبالصيغة المناسبة ولكن يبدو أن هذه الحقوق مهدرة في سوقنا مثلها كمثل حقوقهم في المشاركة والتفاعل مع شؤون وقرارات الشركة عند اجتماعات الجمعيات العمومية. وعليه فهناك حاجة ماسة لضمان وضوح وتوقيت الإعلانات بما فيه الكفاية والعدالة للجميع صغارا وكبارا.
من يفهم القوائم المالية!!
القوائم المالية التي تعلن وتنشر وفق مواعيد محددة مليئة بالمفاهيم والمصطلحات المعروفة في الوسط المالي والمحاسبي ولكنها عند صغار المساهمين تكون بمثابة طلاسم والغاز لا يفقهونها ولا يستطيعون التعامل مع ما تحفل به من «حركات» وطرق وأرقام تعكس قيماً حقيقية للشركة المعنية. هناك قدر كبير من النقص في الثقافة الاستثمارية لدى الغالبية العظمى من المستثمرين الصغار وهذه مشكلة تحتاج إلى معالجات سريعة ومرتبة تكون على شكل دورات تدريبية وحملات تثقيفية مستمرة للرفع من قدرة صغار المساهمين على اتخاذ القرارات الاستثمارية الناجحة المبنية على معلومات جيدة وتحليلات مناسبة.
هذا فيما يتعلق بالثقافة والوعي الاستثماري أما المشكلة الكبرى في سوقنا فتتمثل في وجود جهات وشركات ومضاربين كبار يبدعون في استغلال هذه العلة لدى صغار المساهمين لتحقيق أهدافهم وتوجيه السوق للبيع أو الشراء حسب حالات التصريف والتجميع أو الصعود والهبوط. على سبيل المثال يجرى بشكل مستمر الاستفادة من عدم قدرة الصغار على التفريق بين الأرباح التشغيلية والأرباح الاستثمارية لرسم صورة حسنة عن أرباح شركة ما بغرض بيعها على الصغار وعندما يراد شراؤها بعد ذلك يتم بث الشكوك عبر المنتديات عن حقيقة الأرباح فيهرول صغار المساهمين للبيع بأسعار منخفضة.
مثال آخر، يتعلق بعدم فهم غالبية المستثمرين الصغار للفرق بين رفع رأس المال عن طريق الاكتتاب أو المنح وكذلك الفرق بين رفع رأس المال وخفض رأس المال وغير ذلك من القرارات التمويلية المهمة. لدينا يُرمى السهم على صغار المساهمين بالنسب العليا لمجرد ذكر أية خبر أو نوايا عن منح أو خفض أو رفع رأس المال بدون أن يسأل صغار المستثمرين عن دواعي القرار وملابساته وتداعياته وحتى بدون الاستفسار عن العلاوة أو التكاليف أو التأثيرات المستقبلية على أرباح الشركة وربحية السهم. المشكلة أن هناك دوما من يستغل هذا القصور في الثقافة الاستثمارية بشكل ذكي وبارع. فعلى سبيل المثال ارتفع سعر سهم إحدى الشركات المساهمة بنسب متوالية لمجرد أن رئيس مجلس الإدارة ذكر في أحد أحاديثه أن هناك نية لرفع رأس مال الشركة فيما لو تم حدث ما.. تخيلوا، يندفع صغار المساهمين للماء العكر لمجرد نوايا وخطط لم تتبلور في دراسات ولم تعرض على الجهات الرسمية ولا يعرف هل ستوافق عليها هيئة سوق المال أم لا!!
آخر من نخدم!!
هذا لسان حال البنوك يقولون «صغار المساهمين هم آخر من نحمل همه»!! وقد تواكبت مؤخرا الشروط والمضايقات من البنوك لتنفير صغار المساهمين فهذا البنك يشترط حداً ادنى للأوامر وذاك البنك يشترط حداً ادنى للمحفظة وبنك ثالث يعلنها صريحة لا نقبل المستثمر الصغير مهما صار ومهما تم!! يمثل انتهاك مبدأ «تكافؤ الفرص» بين المستثمرين صغارهم وكبارهم واحدا من أخطر الخروقات التي تساهم البنوك في تأسيسها في السوق. ولا يحتاج الأمر إلى شرح فهو واضح حيث يتعامل صغار المساهمين مع هواتف ترن لساعة من الزمن خاصة في الأوقات العصيبة التي تستدعي سرعة أمر ويعانون من البطء أو الأعطال عند التنفيذ عبر الإنترنت فتفوت عليهم الفرص وتقع على رؤوسهم الخسائر لأنهم «آخر من ينفذ»!!
في كل هذه الأمور السابقة يتبين الوضع المزري لصغار المساهمين في السوق سواء من الناحية المعنوية من حيث توفر الشفافية والعدالة والقدرة على التفاعل والمشاركة في شركاتهم المساهمة أو حتى من الناحية المادية فيما يتعلق بوضعهم في صالات التداول وفرص البيع والشراء عبر الهاتف أو الإنترنت وحظوظهم في التمويل والتسهيلات الخ. بعض هذه المشاكل التي تمس الفرص المتاحة لصغار المساهمين وتؤثر على سلامة حقوقهم (المكفولة بالنظام) وحجم قدراتهم الذاتية يمكن معالجتها من قبل المساهم نفسه كأن يحرص على المشاركة في الجمعيات ومتابعة أخبار وقرارات الشركات المعنية ورفع صوته جديا في الاستفسار والمجادلة من منطلق فهمه لدوره وصلاحياته وقدراته. كما يفضل أن يحرص صغار المساهمين على رفع مستوى الثقافة الاستثمارية عن طريق القراءة والمتابعة وحضور الدورات التدريبية والبحث عن المعلومة الصحيحة والموثوقة وتخفيف درجة الاعتماد على الشائعات والمنتديات والتصريحات الإعلامية.جزء كبير من هذه المشاكل التي تواجه صغار المساهمين تكون معالجتها عن طريق الجهات الرسمية المسؤولة وعلى رأس الهرم هيئة سوق المال بحيث تحرص هذه الجهات على تثقيف وتوعية صغار المساهمين بحقوقهم وقدراتهم وكذلك ضمان العدالة والشفافية والإفصاح السليم والموقوت مع محاربة جميع الانتهاكات المتكررة التي تضر بصغار المساهمين خاصة التدوير (تدوير الأسهم للإيهام بشيء ما ولا شيء) والتحوير (التلاعب بالألفاظ في الأخبار والإعلانات وبث الشائعات المضللة) وسوء التدبير (إنزال أسعار الأسهم ورفعها عن طريق المضاربة وتجفيف الأسهم وكسر أصول التحليل الفني والأساسي باعتماد المضاربة الشرسة والعشوائية في ظل عدم تساوي الفرص بين المتداولين وغير ذلك).. ولن ننسى حجم الضرر الذي يقع على رؤوس صغار المساهمين من تسرب المعلومات وما يعرف باسم «تجارة المعلومات الداخلية» (استفادة كبار المساهمين من المعلومات الداخلية) وهذه بحد ذاتها تحتاج إلى جهد جهيد لضمان تساوي الفرص بين الجميع في المعلومة حجماً وكيفاً وبالتوقيت المناسب.
منقووووووووول