الأفعال القذرة داخل البورصة
حسام الدين محمد
الممارسات القذرة في البورصة تضر غالبا صغار المستثمرين
تعد الأفعال القذرة داخل البورصة هي أشد أنواع الجرائم ذكاء وفهما للمتغيرات الاقتصادية، وتأثيرا بالمكسب والخسارة، لا سيما أنه عادة ما يرتكبها بعض رجال الأعمال الذين يملكون سطوة وثروة تمكنهم من إتمام هذا الدور، ويسمون "صانعي السوق القذرين".
وأقرب مثال على ذلك ما قام به الملياردير جورج سورس في انهيار دول النمور الآسيوية حيث إن انهيار بورصات تلك الدول ساهم بدرجة كبيرة في انهيار العملة الوطنية لتلك الدول، ومن ثم تعرضها لانهيار اقتصادي.
ولأن بعض المستثمرين الصغار يتحركون بمنطق المضاربة وبعقلية القطيع الجماعي في التداول على الأوراق المالية، لذا يقع بعضهم ضحية هذه الممارسات القذرة، ومن ثم من المهم معرفتها، وفهم كيف تتم في أسواق المال والبورصات، حتى يمكن تلافيها.
أنواع الممارسات القذرة
تتعدد الممارسات القذرة في البورصة، ويمكن تبيان أبرز أنواعها فيما يلي:
- فتح حسابات متعددة للتداول: وهو أحد الطرق التي يلجأ إليها صانعو السوق الخفي لتحقيق مكاسب كبيرة على حساب المستثمرين الصغار، ولإضفاء شرعية على الفعل القذر للتداول، فضلا عن جني الأرباح في يدهم.
ويمكن هذا الأسلوب من التحكم في العرض داخل سوق المال، كما يؤدي إلى زيادة أو نقصان الطلب حسب رؤية صانع السوق، ويعد هذا الأسلوب من أساليب الاحتكار الذي يعمل ضد مصلحة المستثمر الصغير في البورصة.
ولكي تتضح الصورة بشكل أكبر، نضرب مثلا: لدى صانع السوق شركة من شركات الاتصالات، ويملك 80% من أسهم تلك الشركة، وسعر السهم عند بداية الإدراج بقوائم البورصة هو 10 دولارات، فتعال لنرى كيف تتم الممارسات غير المشروعة على هذا السهم.
يبدأ صانع السوق بداية بطرح 20% من أسهم تلك الشركة التي يتملكها في البورصة، فينخفض السعر عند 8 دولارات، فيدفع هذا بعض الأشخاص إلى بيع ما لديهم من أسهم، فيقوم صانع السوق بشراء الكمية التي طرحها من قبل في السوق عند السعر المنخفض، ومن ثم يزيد الطلب على السهم وينقص المعروض فيرتفع سعر السهم إلى 15 دولارا، فيقوم صانع السوق بطرح 25% مما لديه من أسهم عند السعر المرتفع الجديد في البورصة، فينخفض السعر إلى 12 دولارا، فيشتري مرة أخرى كمية أكبر من التي طرحها عند سعر 12 دولارا، فيرتفع السعر عند 18 دولارا فيقوم بطرح 30% من أسهمه عند السعر الجديد.
وهكذا يقوم صانع السوق الخفي بعمل موجات صعود وهبوط على السهم، ويجني الكثير من الأرباح على حساب خسارة المستثمر الصغير الذي يتبع سياسة القطيع في البيع والشراء دون النظر للتحليلات المالية أو الفنية لهذه الشركة.
- أسلوب الصدمات السعرية: وهو يشبه الأسلوب السابق إلى حد ما، ولكن من جانب عدد من الأفراد متفقين اتفاقا غير معلن على القيام بمضاربات واسعة على سهم رخيص تحطم نظرية العرض والطلب، وتدفع المستثمرين للبيع أو الشراء بكميات كبيرة.
وعرفت سوق المال عمليات تلاعب من ابتكار بعض المضاربين الذين يستغلون ثغرات القانون، هذا التلاعب يمس بالدرجة الأولى العرض والطلب ويجعل منهما مجرد آلية وهمية لا تعبر عن حقيقة أوضاع السوق.
فمثلا تتم المضاربة على أحد الأسهم النشطة، بحيث يتم شراء أو بيع كميات كبيرة من هذا السهم، وبالتالي يتم تصدير شعور غير حقيقي لبقية المتعاملين في السوق بأن هذا السهم مرشح للصعود في حالة شراء كميات كبيرة منه، أو أنه مرشح للهبوط في حالة بيع كميات كبيرة منه، وبالتالي يحدث نوع من الصدمة السعرية حول السهم تدفع بقية المستثمرين لشرائه أو بيعه بكميات هائلة وبذلك يحقق المضاربون أهدافهم.
ورغم أن هذه التعاملات قانونية مائة بالمائة، ولا يمكن لأحد أن يعترض عليها فإنها في واقع الأمر تضر بالسوق وبالمستثمرين بالخسائر.
- المضاربات الوهمية: وهي من أقدم الممارسات الضارة في البورصات وتعتمد على البيع الصوري للأصول، سواء كانت في بورصة أسهم أو سلع أو عقارات. ولعل الكثيرون يتذكرون أن المضاربات الوهمية بوجود أوامر بيع للأصول في بورصات دول النمور الآسيوية كان السبب الرئيسي في انهيار تلك الأسواق الناشئة، كما أن عدوى الأسواق ساهمت في انتقال الانهيارات المالية من بورصة لأخرى، حتى إن أحد خبراء سوق المال العالميين يقول إنه إذا أصاب البرد بورصة وول ستريت نيويورك عطست بورصة طوكيو في الحال.
ويدل هذا على ارتباط الأسواق المالية من خلال الانتقال السريع للمعلومات، كما يوجد أسلوب آخر من المضاربات الوهمية التي تعتمد على المراهنات بغض النظر عن وجود مراكز مالية حقيقية، كما لا توجد أصول حقيقية يمكن تسييلها في حالة الضرورة، وهذا أيضا يؤدي إلى انهيار في الأسعار داخل البورصات.
- التلاعب في نقل المعلومات: حيث يوجد شريط للأسعار الخاص بالأسهم المدرجة بالبورصة يعرض في كثير من القنوات الفضائية، والمواقع الإلكترونية، ويقوم بعض الأفراد بشكل غير معلن عندما تبدأ الجلسة بالاتفاق على محاولة تثبيت سعر رخيص للسهم بعيدا عن السعر الفعلي، حتى إذا شاهده صغار المستثمرين محدودو المعلومات ينخدعون به سواء فعليا بالجلسة أو عبر شاشات الفضائيات، والوسائل المختلفة، ومن ثم يبدءون في البيع بأسعار منخفضة خوفا من انخفاض قيمة السهم.
ونفس الشيء في نهاية الجلسة حيث يقوم صانعو السوق الخفي بمحاولة تثبيت سعر رخيص لبداية الجلسة القادمة، حتى يقع في شراكهم صغار المستثمرين ومحدودو المعلومات، حيث يشاهدون سعر الإغلاق على أغلب الفضائيات والمواقع فيقومون بالبيع لتخفيض الأسعار.
- تسريب معلومات خاطئة وشائعات: فالمعلومة في المجال الاقتصادي تترجم فورا إلى قرار يجلب الربح إذا كانت صحيحة، ويضيع معها رأس المال إذا كانت خاطئة.
وصانعو السوق الخفي يعتبرون قواعد اللعبة هنا بسيطة ما دامت أجهزة الرقابة بعيدة، ويد القانون قاصرة ، فيكفي فقط خبر مغلوط يتم تسريبه بطريقة أو بأخرى إلى الصحافة، فترتفع أسعار سهم معين إلى عنان السماء وبعدها يبيع المستفيد، كما قد يحدث تسريب شائعة أخرى تهوي بالسهم إلى سعر متدن فيشتري المستفيد.
وفي الحالتين يحقق صاحب الشائعة المكاسب من وراء الزبائن الذين يصدقون ما يسمعون أو يقرءون، كذلك فإخفاء المعلومات يعد تلاعبا قذرا؛ حيث إن بعض الأسهم ترتفع دون مبرر، ثم يكتشف بعد فترة وجود صفقة بيع أو تحقيق أرباح عالية للشركات صاحبة هذه الأسهم، دون أن يكون قد تم الإعلان عن هذه المعلومات حيث تم الاكتفاء بإبلاغ أناس معينين قد لا تزيد نسبتهم عن 1% من المتعاملين في البورصة، وهؤلاء فقط هم الذين يتمكنون من تحقيق أرباح سريعة.
كما توجد ظاهرة خطيرة تتمثل في عروض شراء لأسهم بعض الشركات، وسرعان ما يتضح عدم جدية هذه العروض، بل يصل الأمر إلى أن تكون هذه العروض مجرد شائعات، أما النتيجة الخطيرة التي تترتب على مثل هذه العروض غير الجادة فتتمثل في التلاعب بأسعار الأسهم محل المضاربة عليها لصالح البعض، وعلى حساب البعض الآخر.
تلاعب شركات السمسرة
يضاف إلى ما سبق فإن ضعف الرقابة في السوق وعدم وجود عقوبات رادعة، يؤدي إلى مسلسل المخالفات الحادة وتلاعب شركات السمسرة بصغار المستثمرين سواء عن طريق استخدام المعلومات الداخلية أو التلاعب في تحريك أسعار الأسهم صعودا وهبوطا بالتعاون بين الشركات صاحبة الأسهم وبعض شركات السمسرة لتحقيق أرباح استثنائية وغير مشروعة.
كما قد تقوم شركة السمسرة بالبيع والشراء لأسهم العملاء دون علمهم ودون موافقتهم بغرض تحقيق مكاسب للشركة، وهو نفس ما أدت إليه الممارسات الخاطئة التي قامت بها بعض شركات السمسرة من خلال التلاعب في أرصدة العملاء المحفوظة لديها وإجراء عمليات بيع وشراء دون علم العملاء، أو بيع جميع الأسهم المملوكة للعملاء والهرب، بعد تصفية الشركة والضحية دائما هم صغار المستثمرين.
أيضا يمكن للحكومة من خلال بعض الأدوات التحكم في البورصة مثل سعر الفائدة، وعمليات السوق المفتوحة التي يتدخل فيها البنك المركزي شاريا وبائعا للأوراق المالية من أسهم وسندات للتحكم في السوق، وإذا أرادت الحكومات تقليص النشاط رفعت أسعار الفائدة، وقامت ببيع ما لديها من أسهم وسندات بكميات كبيرة قد تضر المستثمر الصغير، وهذه الممارسات تكون مفاجئة حتى تحقق ما تريد.
منقووووووووووول