علاوة الإصدار هي كلمة حق ضلّت طريقها ؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

علاوة الإصدار هي كلمة حق ضلّت طريقها؟!

محمد بن عبد الله الشريف
جاءت علاوة الإصدار في بداية ظهورها في سوق الأسهم بمثابة كلمة حق، يسوقها هدف نبيل، يتمثل في رفع رأسمال بعض الشركات المساهمة العامة الناجحة، ذات النفع العام للمجتمع والاقتصاد، بهدف زيادة قدراتها المالية للانطلاق في توسيع أعمالها، وزيادة إسهامها في الحركة الاقتصادية بعامة، ويأتي الرفع في هذه الحالة من مصدرين هما احتياطيات الشركة المتكونة من الأرباح المبقاة، وهذه تعتبر من حقوق المساهمين الأساسية التي توزع عليهم مجانا، أما المصدر الآخر فهو التمويل من قبل حملة الأسهم، دون غيرهم، في صورة حق أولوية للاكتتاب في الأسهم المطروحة، بالسعر الاسمي للسهم، مضافا إليه ما سمي بعلاوة الإصدار، وهو مبلغ يحدده التقويم العادل لما يفيض عن القيمة الاسمية من أصول الشركة وموجوداتها.. وما يجمع من أموال، في هذه الحالة، يذهب للشركة، دعما لأصولها وزيادة في رأسمالها!
ثم امتد مفهوم علاوة الإصدار، فيما بعد، ليشمل شركات مساهمة مغلقة ترغب التحول إلى عامة، وبدت هذه العلاوة، بالنسبة لهذه الشركات، وكأنها فتح عظيم يخلص أصحابها من متاعب إدارة شركاتهم ببيع جزء منها، على مجموعة من الناس، بأسعار لم يكونوا يحلمون بها، لو تم عرض الجزء المباع على مستثمرين آخرين، بأسلوب آخر غير الاكتتاب العام الذي تبدو مهمته في بعض الحالات، وكأنها إضفاء صفة المشروعية، على عمليات البيع هذه!
أما ما يقال عن متعهد التغطية، وأنه لو لم يكن السهم المطروح يساوي قيمته لما وجد من يلتزم بتغطية قيمة ما قد يفيض من أسهم، فإن التعليق على هذا القول، هو أنه لم تحصل حالة واحدة واجه فيها متعهد التغطية مسؤولية تنفيذ ما تعهد به، وإلا لوجد أن القيمة التي التزم بها للسهم، تزيد على قيمته بعد الطرح بفترة وجيزة، كما هو مشاهد الآن، حيث تراجعت القيمة السوقية للسهم لكثير من الشركات عن القيمة التي طرحت بها!.. وبإمكان المتابع الواعي أن يشهد ذلك الآن في شركات لم يعد سهمها يساوي نصف قيمته المطروح بها!
وهذا يعد أبلغ دليل على المبالغة في تقدير علاوة الإصدار التي تحولت في حالة كثير من الشركات، إلى وسيلة لتجميع مدخرات الفقراء في جيوب الأغنياء!
أما أنه لم يحصل حالة واحدة فاض فيها الاكتتاب عن حاجة المكتتبين، وألزم فيها متعهد التغطية بالشراء، فلأن الناس متلهفون على وجود أي فرصة لامتصاص مدخراتهم، ولو أنه فتحت مساهمة في شركة لنقل رمال الربع الخالي لردم البحار، بأي سعر، لتسابق الناس عليها، لا لثقة فيها، وإنما للسبب الآخر الذي ذكرته! ومن هذا المنطلق لم يحصل أن قلت التغطية لأي اكتتاب عن أضعاف القيمة المطلوبة، بصرف النظر عن السعر المطروح به!
وأما السعر الذي كانت تحدد به علاوة الإصدار، فكان يخضع للتفاوض والمساومة، والشد والجذب، الأمر الذي يتيح المجال لتأثير عوامل كثيرة في هذا التحديد، إلى أن تم الاهتداء إلى ما سمّي بعملية بناء الأوامر، المتمثلة في طرح قيمة السهم فيما يشبه المزايدة، بين عدد من متعهدي التغطية، ليفوز من يقدم أعلى سعر، ليس بالعرض فحسب، وإنما بالحصة الأوفر من أتعاب الطرح، لأنه يعلم سلفا أنه سيكون بمنأى عن التورط في مغبة التزامه، لعلمه بأن الجمهور سيتكفل بذلك.
وأما بشأن ما يرد في نشرة الإصدار من كلام لا ينشر، وإن نشر فهو مبتسر ومختصر، ولا يقرأه أحد، لتعمد نشره بحروف يصعب استنطاقها حتى بالمكبر، فهو كلام مجمع مليء بالوعود التي لن يتحقق منها شيء، وهي أشبه ببعض لوائح الدعوى التي يمكن أن يقال فيها كل شيء لا يثبت منه شيء! لأن القضاة، وهم في هذه الحالة المساهمون، يغيبون عن مجالس الجمعيات العمومية، وإن حضروا، لم يعودوا يتذكرون ما في نشرات الإصدار.
قد ينبري من يقول: كيف تقول هذا الكلام ومن يقوم بكل ذلك هي شركات استشارات مالية مرخصة، وهي مسؤولة عن كل كلمة ترد في نشرة الإصدار كما أن هناك محاسبين قانونيين، يتم اختيارهم من قبل الجمعيات العمومية يقفون خلف ما يعلن من قوائم مالية، وميزانيات عمومية، وتعليقي هو أنه مع تقديري للجميع، فإن هناك من لا تبرأ الذمة بنتائج أعمالهم، فضلا عن الشركات الكبرى التي انهارت كان يقف خلفها مثل أولئك!
وحتى لا أطيل، أقول إنه يحسن بهيئة سوق المال أن تراجع موضوع علاوة الإصدار، إبراء للذمة، وحفاظا على مدخرات المواطنين، ولا سيما من النواحي الآتية:
1 ـ قصر علاوة الإصدار على الشركات المساهمة العامة، التي تريد التوسع في أعمالها لحاجة يتطلبها مجالها وموقعها من البنية الاقتصادية، أما الشركات المقفلة التي تريد التحول إلى مساهمة عامة فينبغي أن تطرح بالقيمة الاسمية المحددة للسهم، دون علاوة إصدار، وألا يسمح بزيادة رأسمالها خلال السنوات الثلاث التي تسبق تحولها، وذلك لما لوحظ من أن هناك قفزات في رأس المال تسبق عملية التحول بفترة وجيزة، بهدف تضخيم الموجودات، وعلاوة الإصدار، بالتالي.
2 ـ التدقيق في تحديد قيمة علاوة الإصدار، ولا يكفي في ذلك اجتيازها اختبار ما يسمى بعملية بناء الأوامر، لسبب وحيد، هو أن هذه العملية لم يسبق أن امتحنت بعملية رسوب واحدة، أي لم يُلزم متعهد ما بتغطية ما تعهد به، للأسباب التي ذكرتها، وإلا لانكشف المغطى.
3 ـ إجراء دراسة ميدانية، تقف من خلالها الهيئة على نتائج الاكتتابات التي تمت بعلاوة إصدار، وتتصرف بواسطتها على مدى عدالة تلك العلاوة، من خلال ما تساويه قيمة الأسهم الحالية، والفرق بينها وبين قيمتها عند الطرح، زيادة أو نقصا، ومثل هذه الدراسة، أثق أنه سيكشف ما يعين الهيئة على تلمس طريق الصواب في المستقبل.
كاتب في الشأن العام
والله من وراء القصد.

الاقتصادية
http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=9619