بسم الله الرحمن الرحيم
جرينسبان يخدم مصالح أمريكا
سعود بن هاشم جليدان - متخصص في الدراسات الاقتصادية
أثناء زيارة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق ألن جرينسبان الأخيرة إلى منطقة الخليج دعا إلى فك ارتباط عملات دول المنطقة بالدولار. وقد أسعدت تلك التصريحات الكثير من الناس لأنها أتت من أحد أعمدة السياسة النقدية في الولايات المتحدة. ولكن ما لم يدركه الكثير منهم هو أن دعوة جرينسبان دول مجلس التعاون الخليجي لفك ارتباط عملاتها بالدولار الأمريكي ليس حباً وقلقاً على الأحوال المعيشية لمواطني دول مجلس التعاون, ولكنها تخدم في الدرجة الأولى مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية. ويعاني مواطنو دول المجلس ارتفاع معدلات التضخم المسببة جزئيا بتراجع قيم عملاتهم الوطنية مقابل العملات الأخرى مثل اليورو والجنيه الاسترليني.
يمر الاقتصاد الأمريكي بمرحلة تباطؤ اقتصادي يصعب على المراقبين تقدير حجمه ومدته على وجه التحديد. وترجع الضبابية في تقدير حجم التباطؤ الاقتصادي إلى أزمة الرهون العقارية والمشتقات المالية المرتبطة بها. ويصعب تقدير تأثير أزمة الرهون العقارية بسبب ألاعيب سوق المال والبنوك بوجه خاص وعدم قدرة البنوك على معرفة حجم المخاطر التي تعانيها البنوك الأخرى والتي تعرض بعضها إلى خسائر فادحة خصمت من رؤوس أموالها. وأكبر مثال على ذلك، هو تحمل سيتي جروب لخسائر فادحة نتيجة أزمة الرهون العقارية قدرت بـ 50 مليار دولار. ويمكن أن يرجع جزء من الأزمة الحالية إلى سياسة تحرير الأنظمة البنكية في الولايات المتحدة والتي قام بها ألن جرينسبان في بداية التسعينيات بسبب علاقته القوية بالقطاع البنكي. وإلقاء اللوم على سياسة الرئيس بوش الاقتصادية ما هي إلا محاولة للتنصل من أي مسؤولية تجاه أزمة الرهون العقارية ولدغدغة مشاعر الحضور.
وإطلاق تصريح بتحرير ارتباط العملات الخليجية قد يوحي بضرورة فك الارتباط بشكل فوري. وتفيد تجارب الدول التي فكت ارتباط عملاتها بعملة أجنبية معينة بقيامها بتحرير الارتباط بصورة تدريجية وضمن إطار زمني متوسط المدى. وتختلف أوضاع تلك الدول عن دول مجلس التعاون، حيث كانت تعاني ارتفاع أسعار صرف عملاتها. وتؤثر أسعار الصرف المرتفعة في قدرة صادرات الدول على المنافسة وتضعف معدلات النمو الاقتصادي. والحالة في دول مجلس التعاون مختلفة لأن مطالب فك الارتباط ناشئة من الشعور أن أسعار صرف العملات منخفضة ويجب رفعها لمواجهة التضخم. ورفع معدلات صرف العملات الخليجية سينتج عنه إضعاف قدرة الصادرات الخليجية على منافسة السلع الأمريكية في الولايات المتحدة والدول المرتبطة بالدولار وكذلك زيادة قدرة السلع والخدمات الأمريكية على المنافسة في السوق المحلية لدول مجلس التعاون. وسينتج عن رفع أسعار صرف العملات الخليجية رفع قيمة الصادرات الأمريكية إلى أسواق المنطقة والإسهام في إنعاش الاقتصاد الأمريكي، وهذا هو ما يهم جرينسبان وليست مصلحة دول المجلس أو مواطنيها. وسيقلل رفع معدلات صرف عملات دول المجلس من قيم الاحتياطات السيادية لدول المجلس ويدفعها إلى خفض نسب الودائع الدولارية والتي من أهمها سندات الخزانة الأمريكية. وقد يسهم خفض تلك الودائع أو محاولة التخلص منها بخفض أسعار هذه السندات ويضاعف من خسائر السلطات النقدية في دول المجلس، وسيتمكن المستثمرون والبنوك الأمريكية من الحصول عليها بأسعار منخفضة في الوقت الحالي وتحقيق أرباح مرتفعة عليها في المستقبل. ولهذا نرى الولايات المتحدة تطالب الدول التي تحتفظ باحتياطات سيادية كبيرة بضرورة رفع معدلات صرف عملاتها. وتتركز تلك الدول في شرق آسيا ومنطقة الخليج. ومع أن بعض دول آسيا رفعت أسعار عملاتها بنسب منخفضة إلا أنها تقاوم بشدة مطالب الولايات المتحدة برفع معدلات صرفها بقوة، بل إن تلك الدول في بعض الأحيان تحاول كبح جماح ارتفاع أسعار عملاتها مقابل الدولار وأهم تلك الدول الصين واليابان.
ولا يوجد أدنى شك بمساهمة تدهور معدلات صرف العملات الخليجية في ارتفاع معدلات التضخم, ولكن يجب عدم الاندفاع بقوة نحو التركيز على استخدام أسعار الصرف كوسيلة وحيدة لمواجهة التضخم. ويمكن في حالة استمرار تدهور أسعار صرف الدولار النظر في خيارات تعديلات لأسعار الصرف تضع حد أدنى لأسعار العملات الخليجية، وذلك لتحييد معامل تأثير أسعار الصرف على التضخم. فأسعار الصرف ليست السبب الوحيد في التضخم المرتفع في منطقة دول مجلس التعاون فهناك العديد من العوامل التي لا تقل أهميتها عن أسعار الصرف. وأهم تلك العوامل السياسة المالية التوسعية ومعضلة السكن وارتفاع الطلب العالمي على المواد الغذائية. ويحتاج التعامل مع كل عامل منها إلى حزمة إجراءات تختلف عن بعضها بعضا.
الاقتصادية
http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=8585