بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب ارتفاع أسعار برميل البترول الخام (1)
د. أنور علي أبو العلا
وضحنا في مواضيع الشهر الماضي ان النقص في عدد المصافي او دخول المضاربين الى اسواق البترول كلاهما يؤديان الى انخفاض سعر برميل الخام وليس ارتفاعه (اي عكس الاعتقاد السائد). الآن يحق للقارئ ان يسال: اذن ما اسباب الارتفاع الحالي في اسعارالبترول؟
بادئ ذي بدء يجب ان نقول ان الغريب ليس هو ارتفاع الاسعار!! فأسعار البترول حتى الآن - رغم انها تلامس المائة دولار- لازالت اقل مما يستحقه البرميل مقارنة بانتاجيته. ولكن الغريب هو التبريرات الواهية والوعود بزيادة الانتاج التي يقدمها بعض المنتجين للخام وكأنهم يعتقدون في قرارة انفسهم ان بترولهم يباع الآن بأعلى مما يستحقه رغم انهم يعرفون تمام المعرفة ان دخل الحكومات في الدول المستهلكة اعلى من دخلهم من نفس البرميل الذي يخرج من آبارهم. بماذا يمكن ان نفسر هذا التصرف؟
التفسير الذي هو اقرب الى المنطق السليم ان المنتجين للخام نعم يعرفون ان بترولهم يباع بأقل من السعر الذي يستحقه - فهم ليسوا الى هذه الدرجة من الغفلة- ولكنهم في نفس الوقت يعرفون ايضا بذكائهم الحسي او ما يمكن ان نسميه الحاسة السادسة ان المستهلكين هم المسيطرون على اقتصاديات العالم وان لهم اليد الطولى لتوجيه الاقتصاد العالمي في الاتجاه الذي يحقق مصالحهم. وبالتالي فإن الحكمة تقتضي مواجهتهم بالتقيا وحسن المداراة حتى لا يتهمونهم زورا بالاحتكار والجشع وبأنهم هم السبب في رفع الاسعار ومن ثم الاضرار باقتصاد العالم لاسيما الدول الفقيرة مما يؤدي الى اثارة الاحقاد عليهم.
الى هنا هذا كلام انشائي جميل ولكنه لازال لايجيب على السؤال الذي اثرناه في بداية المقال وهو: ما اسباب ارتفاع اسعار البترول في الوقت الحالي؟
بالتاكيد ان سبب ارتفاع سعر برميل الخام ليس هو النقص في عدد المصافي كما انه ليس هو دخول المضاربين الى السوق ولكن السبب الاول والاخير هو ان الذهب الاسود هو مورد نفيس ينتج عن استخدامه كمصدر للطاقة قيمة اضافية صافية في الانتاج القومي للدول التي تستخدم البترول كمصدر للطاقة اكبر كثيرا من تكلفة السعر الذي يباع به البترول في السوق. لقد اكتشف العالم هذا السر الخفي الذي اختص الله به البترول فازداد الطلب عليه اكثر مما يستطيع العرض ان يجاريه في الازدياد ولا بد ان ترتفع الاسعار حتى تكبح الطلب الشره ولا ينضب البترول قبل اوانه. هذا جواب مقتضب لأسباب ارتفاع الاسعار. وابسط دليل على صحته هو مقدار الضرائب المفروضة على استهلاكه ورغم ذلك لازال الطلب عليه يأخذ في التزايد.
تمهيدا للجواب الكامل على السؤال الكبير وهو: ما الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع سعر برميل الخام من ما يقارب عشرة دولارات فقط قبل عشر سنوات تقريبا الى ما يقارب - وقد يتجاوز- المائة دولار الآن؟ وهل سيستمر سعر الخام في التصاعد والى اي مدى؟ او هل يا ترى ستتكرر حادثة بداية الثمانينات المشؤومة وتنهار الاسعار فجأة او على الاقل ستأخذ طريقها تدريجيا الى الانخفاض والى اي مستوى؟
هذا هو السؤال الكبير ومشتقاته الكثيرة بكثرة عدد مشتقات البترول الذي سننظر في الكرة البلورية للتنبؤ بالجواب عليها في المقالات القادمة.
اما مواضيع العواميد الثلاثة المتبقية لهذا الشهر فهي لا تعدو الا ان تكون تمهيدا لابد منه حتى نتمكن من استيعاب الجواب على السؤال الكبير وهي كالتالي:
- سوق برميل الخام الورق.
- مزيج خام برنت البريطاني.
- الصيغ (الفورملا) وآلية تسعير الخام.
@ رئيس مركز اقتصاديات البترول "مركز غير هادف للربح"
جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/2008/02/09/article316041.html