و مرة أخرى عن مذابح الأفغان في إيران

و مرة أخرى عن مذابح الأفغان في إيران

صباح الموسوي
كشف التقرير الذي أماط اللثام عنه يوم الجمعة الماضي وفد من مجلس الشيوخ الأفغاني عقب زيارة قام بها الى إيران مؤخرا وتناقلته وكالات الأنباء العالمية ‘كشف عن وجود (5630) مواطن أفغاني في السجون الإيرانية وان أكثر من ثلاثة الآف منهم محكمون بالإعدام . وقد نقل التقرير ان الوفد الأفغاني الذي قام بزيارة طهران قد ضم في عضويته امان الله پيمان، نائب رئيس المجلس، عبدالستار خواصي، أمين عام المجلس و تاج محمد مجاهد،رئيس لجنة مكافحة المخدرات في المجلس . وقد أعلن وزير العدل الأفغاني "حبيب الله غالب" ، انه لم يتم التواصل الى توافق مع إيران بشأن هؤلاء السجناء والسبب في ذلك يعود لعدم وجود اتفاقيات قضائية بين كابل وطهران. ومن الملاحظ ان الإعلان عن هذا القرير تم بعد يوما واحدا فقط من زيارة الرئيس الإيراني احمدي نجاد الى أفغانستان والتي أكد فيها على متانة العلاقات بين البلدين و اهتمام إيران بدعم الحكومة الأفغانية التي يرأسها حامد كرزاي . علما ان بعض التقرير الإيرانية تتحدث عن وجود مليوني مهاجر أفغاني في إيران نزحوا لها على اثر الحرب التي أعقبت الاحتلال السوفيتي لأفغانستان‘ وخلال العقود الثلاثة الماضية تعرض المهاجرين الأفغان الى مآسي عديدة في إيران نتيجة للتعامل السيئ من قبل السلطات الإيرانية بلغ حد ارتكاب مجازر في بعض مخيمات المهاجرين راح ضحيتها الآلاف منهم . وحول هذا الموضوع كنت قد كتبت مقالا في العام الماضي بعنوان " مذابح الأفغان في إيران" تحدثت فيه عن مآسي الأفغان في إيران وعن بعض المجازر التي حدثت ‘ وقد جاء تقرير الأخير لوفد مجلس الشيوخ الأفغاني الى إيران و الذي كشف عن وجود ثلاثة الآف أفغاني في السجون الإيرانية محكومين بالإعدام ‘ جاء ليعزز ما سابق وكتبته عن مأساة المهاجرين الأفغان في إيران ويدحض النفاق الإيراني الذي يزعم حرص نظام ملالي طهران على دعم الشعب الأفغاني المظلوم . وهنا أضع بين يدي القارئ الكريم ما كتبته في هذا الشأن سابقا ليتعرف على نفاق النظام الإيراني .
" مذابح الأفغان في إيران"
مابين إيران وأفغانستان ثارات قديمة خلفتها حروب ومجازر عديدة دارت بينهما على مدى عصور و يبدو ان الزمان عجز عن محو آثارها من ذاكرة الإيرانيون الذين مازالت عقدة سقوط الدولة الصفوية على يد الأفغان (1722-1729م ) بقيادة " المير محمود الأفغاني " تأجج مشاعرهم العنصرية وتثير فيهم نيران الحقد الطائفي الذي لم تتمكن مجازر نادر شاه أفشار ‘ ( النصف الاول من القرن الثاني عشر الهجري (1100-1199هـ) القرن الثامن عشر الميلادي (1700-1799م) ‘بحق الأفغان من إطفاءها‘ ولهذا بقية حالة الكراهية تحكم نظرة الإيرانيين للأفغان الذين رغم كل ما ارتكب بحقهم من مجازر بقوا محافظين على هويتهم الإسلامية و خصوصيتهم المذهبية السنية وقد عجز الإيرانيون من جعلهم تابعين لهم .لقد تسبب الاحتلال السوفييتي لأفغانستان ( 25 ديسمبر1979- فبراير1989م ) في هجرة أفغانية جماعية لإيران التي فتحت حدودها للمهاجرين و احتضنت العديد من جماعات المجاهدين بهدف استخدامهم ورقة في علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي التي كانت بحاجة ماسة لسلاحه في حربها مع العراق ‘ فقد كانت إيران كل ما أرادت التقرب من موسكو ضغطت على الأفغان للحد من نشاطهم وإذا أرادت الضغط على موسكو أرخت الحبل للأفغان و فتحت حدودها للمجاهدين لتصعيد عملياتهم ضد القوات السوفيتية وفي تلك المرحلة كانت مخيمات المهاجرين الأفغان داخل الأراضي الإيرانية هي من يدفع ثمن هذه المتاجرة السياسية حيث كان المهاجرون يتعرضون لأقسى الظروف المعيشية وقد شهدت بعض مخيماتهم ظروفا قاسية لا تقل عن قساوة عن ظروف معسكرات الاعتقال النازي .
بعد انتهاء الاحتلال السوفييتي سعى الكثير من المهاجرين الأفغان في العودة الى بلادهم ولكن السلطات الإيرانية التي كانت تتلقى المساعدات من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالعملة الصعبة مقابل استضافتها للأفغان‘ منعت سكان بعض المخيمات من العودة لبلادهم لكي لا تفقد العملة الصعبة التي كانت بحاجة إليها من جهة ومن جهة أخرى كان اشتعال الحرب بين الجماعات الأفغانية قد اوجد حاجة إيرانية جديدة لهؤلاء المهاجرين حيث كان يتم تجندي الشباب و الرجال منهم في صفوف الجماعات الأفغانية الموالية لإيران بشكل قسري و تبقى عوائلهم من النساء والأطفال شبه رهائن داخل مخيمات الهجرة .
كان الشارع الإيراني هو الآخر ينظر الى الأفغان نظرة دونية ويعاملهم بشكل مزري للغاية حيث كان الأفغان الذين استطاعوا الوصول الى المدن الإيرانية الرئيسية بحثا عن العمل لتحسين ظروفهم المعيشية والهروب من التطوع الإجباري في صفوف الجماعات المتقاتلة ‘ يتلقون معاملة قاسية جدا من قبل الشارع الإيراني حيث ارتكبت أعمال عنف مختلفة ضد هؤلاء الأفغان ليس اقلها عدم أعطائهم أجور الخدمة وممارسات غير إنسانية أخرى معهم من قبيل القتل والسجن بحجة عدم امتلاكهم لهويات الأحوال الشخصية وغيرها .
و في عام 1998م شهد احد مخيمات اعتقال المهاجرين الأفغان المسمى " سفيد سنك " و الواقع قرب مدينة مشهد في إقليم خراسان‘ شهد انتفاضة ضد الظروف القاسية والإجراءات التعسفية التي كانت تمارس ضد سكان المخيم لإجبارهم على التطوع في قوات ما كان يسمى " تحالف الشمال" لمحاربة حكومة طالبان وقد قامت السلطات الإيرانية باستخدام القوة المفرطة لإخماد تلك انتفاضة حد استخدام الطائرات المروحية مما أسفر عن مقتل أكثر من ألفين أمعتقل َ بينهم العديد من النساء والأطفال وقد تم دفنهم في مقبرة جماعية .
هذه المجزرة وغيرها من الأحداث الدامية الأخرى التي تعرضت لها مخيمات المهاجرين الأفغان في إيران‘ دفع مؤخرا بفنانين وإعلاميين ومؤرخون أفغان لتوثيقها على شكل أفلام وكتب و مسلسلات تلفزيونية وقد لقيت هذه الخطوة دعما من سياسيين و برلمانين و زعماء قبائل و رجال دين أفغان . و كان آخر ما تم أنتاجه في هذا الإطار‘ فيلم يصور مجزرة مخيم " سفيد سنك " و قد مثل دور البطولة في هذا الفيلم " داوود عظيمي" احد ابرز الناجين من تلك المجزرة إضافة الى عدد من الممثلين الأفغان الذين عاشوا في إيران وشاهدوا معانة أبناء جلدتهم عن قرب. يضاف الى ذلك صدور كتاب جديد يؤرخ لمعانات الأفغان في إيران ويقدم وثائق ومستندات عن مجزرة راح ضحيتها خمسة الآف سجين أفغاني تم دفنهم أحياء في مقبرة جماعية ‘ وقد استضافت احد القنوات التلفزيونية الأفغانية مؤخرا اثنان من الصحفيين المؤلفين لهذا الكتاب .
الحديث عن معانات مخيمات المهاجرين الأفغان في إيران ربما لا يدركها إلا المهاجرين العراقيين الذين عاشوا حياة المخيمات في إيران و الذين لم تشفع لهم شيعيتهم وتأييدهم لنظام الخميني في التخلص من مرارة تلك المخيمات و ذلتها.
هذه الأحداث وغيرها التي بقيت بعيدة عن أنظار العالم والرأي العام العربي والإسلامي خاصة‘ لو تم كشف المزيد منها فمن المؤكد أنها سوف تساهم في تعرية الصورة الحقيقية للنظام الإيراني الذي يحاول من خلال ‘ الشعارات التلبس بالدين الثورية والفبركة الإعلامية ‘التستر على جرائمه المرتكبة بحق أبناء الأقليات المذهبية والقومية في إيران ‘ وإشعاله لنيران الفتن والحروب بين أبناء البلدان المجاورة لتحقيق أطماعه التوسعية في المنطقة .
المصدر/ سني نيوز