النظام النقدي القديم وصل إلى نهاية الخط
جاسبر مكماهون
ما الذي تعنيه الأزمة المالية لسلوك السياسة النقدية؟ ربما يبدو الجواب واضحاً. فقد استجابت البنوك المركزية لتوقف أسواق التعامل بين البنوك بضخ كميات هائلة من السيولة. وحين استنفدت مجال المناورة بأسعار الفائدة قصيرة الأجل، تصرفت بصورة مباشرة في الجانب الخاص بعرض النقد، من خلال التخفيف الكمي. لذلك في الوقت الذي تستقر فيه الظروف، فإن السؤال هو: متى وكيف يتم التشدد دون دفع الاقتصادات الهشة مرة أخرى إلى الركود، أو السماح بحدوث نوبة خطيرة من التضخم؟
جرى نقاش على نطاق واسع حول اتخاذ قرارات بعينها، لكن النقاش كان قليلا نسبياً حول الأهداف، أو الأطر السياسة. ويوجد منذ السبعينيات إجماع سياسي ونظري قوي ـ في المملكة المتحدة وفي معظم أرجاء العالم ـ على ضرورة أن تركز السياسة النقدية على استقرار الأسعار، وأن إنجاز ذلك لا بد أن يتم بواسطة سلطة مستقلة تتابع هدفا تضخميا واضحا (أو عرض النقد كهدف قريب). وقد جعلت الأزمة قرارات السياسة أصعب، لكنها لم تجعل ـ بنفسها ـ ذلك الإطار موضع تساؤل.
لا يمكن قول الشيء نفسه عن التنظيم المالي. فلم يكن هناك على الإطلاق، الاجماع ذاته على الأهداف، أو على هيكل السياسات، وخرج معظم ما كان موجوداً هناك من النافذة على أية حل. ويتوافر الآن إجماع يتطور حول التغييرات التي ينبغي القيام بها، وهي متطلبات رأسمال أعلى، ولا سيما بخصوص التداول، وأنظمة رقابة أدق، وقيود سيولة أشد، ووصايا حياة، وقيود على علاوات المصرفيين. وليس لدينا حتى الآن برنامج ضوابط منسجم وشامل، ولا أحد يدعي أن لدينا مثل ذلك البرنامج، وفي الوقت نفسه يبدو أن هناك إرادة سياسية كافية لتمرير وفرض ضوابط جديدة.
التناقض بين هذين المجالين من مجالات السياسات العامة الخاضعة للنقاش - السياسة النقدية والتنظيم المالي - صارخ - وعدم ارتباطهما الظاهر أمر غريب كونهما مرتبطين حتمياً من الناحية العملية.
أحد الاستنتاجات المبكرة حول التنظيم المالي هو أن قطعة من المنشار المتحرك كانت مفقودة، والمقصود هنا الوظيفة ''الحصيفة على مستوى الاقتصاد الكلي''. وقد حدد اللورد تيرنر ذلك في تقريره الخاص بالمملكة المتحدة، كما فعل ذلك جاك دو لاروزيير في تقريره الخاص بالاتحاد الأوروبي. ولا بد من أن يكون شخص ما ينظر، ليس إلى المخاطر التي تقدم عليها أي مؤسسة معينة، ولكن إلى المخاطر على مستوى النظام ككل، التي تظهر بسبب نمط الإجراءات التي يتم اتخاذها عبر مجموعات عن المؤسسات. ونجد مثلا، أنه كان على هذا التحليل أن يحدد المخاطر الناجمة عن الاستخدام واسع النطاق للقنوات من جانب البنوك، أو الاتجاهات الخطيرة لأسعار الموجودات، مثل الإسكان والائتمان المورّق.لذلك سيكون في عالم التنظيمات الجديد تركيز واضح على التحليل الحصيف على مستوى الاقتصاد الكلي. ولهذا الغرض شكل الاتحاد الأوروبي ''المجلس الأوروبي لمخاطر النظام'' برئاسة جان كلود تريشيه، رئيس البنك المركزي الأوروبي، على أن يكون نائبه هو محافظ بنك إنجلترا، ميرفن كينج.
لكن لا بد كذلك من توافر وسائل أخرى تستطيع بموجبها السلطات اتخاذ إجراءات بخصوص هذا التحليل. فما الأذرع التي يمكن أن تسحبها؟ هناك الكثير منها. وعليها، مثلا، أن تقوم بتعديلات حسبما يتطلبه الأمر للقواعد الخاصة برساميل البنوك، أو أن تحدث تغييرات على أسعار الفائدة قصيرة الأجل، التي هي الأداة التقليدية للسياسة النقدية. والحقيقة أن أي تدخل سيؤثر - إذا نجح - بصورة مؤكدة، أو يمكنه حتى أن يهيمن على السياسة النقدية. وستؤدي المخاوف حول الاستقرار المالي عموما إلى زيادة الإجراءات التي تشدد الشروط الائتمانية، بغض النظر عن احتمالات النمو/التضخم بالنسبة إلى الاقتصاد. ولذلك من المحتمل تماماً أن يتحرك هدفا السياسة (استقرار الأسعار والاستقرار المالي) في اتجاهات مختلفة.
إن حقيقة احتمال كون هذين الهدفين متعارضين ليست جديدة، لكن تمت تغطيتها بتشدد السياسات خلال العقود الثلاثة الماضية. والبديل الذي يبدو أن علينا العودة إليه في الوقت الراهن، هو إدراك أن على السلطة النقدية أن تسعى إلى تحقيق أهداف معقدة، وألا تلجأ إلى الاستهداف البسيط.
كان محافظو البنوك المركزية هادئين بعض الشيء إزاء هذا الأمر. وربما يفضلون السير في الطريق الموحل، بدلاً من إعادة اختبار إحالاتهم القانونية. وبالنسبة إلى السياسيين، فإن في النهج القديم بعض جوانب الجاذبية القوية. وإذا كان بالإمكان وضع تحديد ضيق لدور البنك المركزي، فإن الأمر أسهل من الناحية السياسية، بل من المفيد في واقع الأمر منحه الاستقلال العملي. لكن إذا نظر إلى أهداف البنك المركزي على أساس أنها معقدة، وتتطلب إجراء مقايضات بين أهداف سياسية متنافسة، فإن السياسيين ربما يجدون أن من الصعب عدم التدخل في القيود النقدية.
الكاتب شريك في Gallery Capital LLP