بنكان ماليزيان.. وتغير في لهجة إعلام كوالالمبور
تعثر الصكوك الخليجية يزعزع ثقة الغربيين.. والماليزيون يحذِّرون منها
متابعة: محمد الخنيفر
عالم المالية الإسلامية، الذي كان في السابق في وضع مأمون يقيه التضرر من الانهيار المالي العالمي، اهتز من جذوره بفعل سلسلة من حالات التعثر التي أصابت ذراعه اليمنى التمويلية من السندات الإسلامية. ولكن ما قصة تغير «لهجة» المصرفيين الماليزيين تجاه الصكوك الخليجية والتي بدأت واضحة في وسائل إعلامهم ومؤسساتهم المالية؟
أكد مسؤول رفيع في بنك «سي آي إم بي» الماليزي، الذي يعد أحد كبار اللاعبين في صناعة الصكوك العالمية، أن المشترين الأجانب أصبحوا «أكثر حذرا» من مصدري الصكوك الخليجية بعد أن تزعزعت الثقة بسندات القطاع الخاص الذي تعثر عدد من صكوكه.
في حين كشفت جولة أجرتها الاقتصادية على وسائل الإعلام الماليزية وجود تحذيرات غير مباشرة للمستثمرين بعدم الإقبال على الصكوك الكويتية تحديدا.
وتزامنت التقارير الصحافية مع استثمار بنوك ماليزية في صكوك خليجية ثبت أخيراً تعثرها، وبدا واضحا لجوء تنفيذيي تلك البنوك إلى وسائل إعلامهم لتوجيه رسائل فشلوا في إيصالها لمصدري الصكوك الخليجيين الذين يحاولون إعادة هيكلة ديونهم.
وهدد بادليسياه عبد الغني، الرئيس التنفيذي لبنك CIMB الإسلامي الماليزي، الذي تعرفه الأوساط المالية الإسلامية بهدوئه واتزان تصريحاته، هدد في تصريح له لوكالة «رويترز» بأن بنكه الإسلامي سيتصرف بشكل «عدائي» في محاولة استعادة استثماراته التي تدور حول مليوني دولار والمستثمرة في أحد الصكوك الخليجية المتعثرة والذي تحتفظ «الاقتصادية» باسمه.
حتى وكالة التصنيف الماليزية RAM تجاهلت في تحليلها حول الصكوك المتعثرة ، الذي نشر في صحيفة ذا ستار، التطرق للسندات الإسلامية المتعثرة في كوالالمبور، بالرغم من قيامها بنفسها بتصنيف تلك السندات. وفضلت التحدث عن الآمال المشرقة لسوق الصكوك الماليزية، مع التعليق باستفاضة حول جميع الصكوك التي تعثرت في الخليج و أمريكا.
وفي الوقت ذاته أكد لـ «لاقتصادية» أحد المصادر الموثوقة أن الماليزيين بدأوا فعلا في فقدان الاهتمام بالصكوك القادمة من الخليج، يقول ذلك المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته لحساسية الموضوع:» لقد تعلمت الكثير من رحلتي عندما شاركت بفعالية في منتدى «World Capital Markets Symposium» في كوالالمبور. فعلى سبيل المثال علمت أن البنوك الإسلامية الماليزية والمستثمرين الماليزيين لم يعودوا مهتمين بعد الآن في الاستثمار بالصكوك القادمة من الخليج، وحتى لو كانت صادرة من الحكومات التي يكون تصنيفها مرتفعا.
ويخشى مراقبون أن تساهم هذه الحملة التي يقودها الإعلام الماليزي و بعض البنوك وإحدى وكالات التصنيف في «هز» مؤشر الثقة بالسندات الإسلامية القادمة من الخليج.
سلبيات التعثر.. الغربيون يتوارون
عما إذا كان المستثمرون الغربيون سيقبلون على الصكوك بعد أن تعثر بعض منها، يقول قدير لطيف، وهو شريك لدى مؤسسة المحاماة كليفورد تشانس :» إذا كانت حالات التعثر في الصكوك تُحدِث التردد لدى المستثمرين الغربيين من العودة إلى سوق الصكوك، فإن هذا سيشكل عقبة كبيرة أمام تطور الصناعة. في حين فضل مصدر قانوني آخر بالقول: «إن خلل التعثر ليس في الصك نفسه بل في الشركة الأم التي تعثرت، لكن السؤال هو: إذا كانت شركة أصدرت صكوكا وسندات، ثم تعثرت هذه الشركة، ففي هذه الحالة، سيتعثر الصك كنتيجة طبيعية. فهل في هذه الحالة يكون ذلك خطأ الأداة الاستثمارية نفسها أم الشركة الأم؟».
معلوم أن «الاقتصادية» ذكرت في تقارير سابقة لها أن إجمالي حالات التعثر بشكل عام بلغ تسع حالات، منها ست حالات لصكوك تعثرت بشكل قانوني وثلاث حالات لصكوك تعثرت بشكل فني واستحوذ الخليجيون على أربع من هذه الحالات.
الانكشاف الماليزي
كان عبد الغني قد فاجأ المراقبين عندما أكد لوكالة لـ «رويترز» قبل أيام أن بنكه الاستثماري متورط في أحد الصكوك الخليجية. وقبل ذلك ظهرت تصريحات صحافية تفيد باحتمالية تعرض بنك RHB الذي يعد رابع أكبر مجموعة مصرفية في ماليزيا، لخسارة ربعية قدرت بـ 16 في المائة من الربح الصافي من جراء انكشافه على صكوك دار الاستثمار الكويتية، ولا سيما أن البنك مكتتب بما قيمته 25 مليون دولار أمريكي. وقد أظهر فحص لسجلات بنك RHB الخاصة بالربع الأول من السنة المالية المنتهي بتاريخ 31 آذار (مارس) 2009, أن البنك لم يقيد أي تخفيضات في قيمة الأصول بسبب العجز عن السداد. ومن غير المعروف متى سيقوم البنك بتسجيل الخسائر في دفاتره، بحسب تقرير صحيفة «ذا إيدج» الماليزية.
وكانت مجلة إسلاميك فينانس ،التي تصدر من كوالالمبور وتوزع على كبار المستثمرين الشرق آسيويين، قد أخذت في آخر عدد لها موضوع تعثر الصكوك على غلاف مجلتها، وتحدثت باستفاضة عن حالات التعثر التي أصابت بيت الاستثمار العالمي (غلوبال) ودار الاستثمار الكويتيين. متجاهلة في الوقت نفسه ذكر حالات التعثر الثلاث و المؤكدة التي أصابت شركات ماليزية مثل (أوكسبريدج- هارتابلوس- أنجرس) والتي تبلغ قيمة إصداراتها مجتمعة نحو عشرة ملايين دولار.
يقول التقرير:» في الوقت الذي أخذت فيه بيوت الرمال الهشة في الانهيار، أوقفت البورصة الكويتية 38 سهما من التداول نظرا لأنها لم تقدم نتائجها المالية لعام 2008. ربما يعتبر ذلك إجراءً وقائياً، رغم أن الزمن وحده هو الذي سيخبرنا إذا كانت الجهات التنظيمية قد تصرفت بالسرعة الكافية حتى تقي البلاد من المزيد من حالات التعثر. فلماذا إذا لم تتدخل تلك الجهات في سبيل إنقاذ أكبر بنكين في الكويت؟ السبب كما يفسره مصدر داخلي مطلع: « أرادت الجهات التنظيمية أن تلقنهما درساً، كما كانت هي حال بنك Lehman Brothers».
معلوم أن «غلوبال انفستمانت هاوس» قد أخلت بالوفاء بديونها في كانون الأول (ديسمبر)، وتمثل ديون هذه الشركة وديون استثمارات دار الاستثمار 40 في المائة من أصل 17 مليار دولار من ديون 99 مؤسسة استثمار في الكويت، نصفها تقريبا متوجبة لمصارف أجنبية.
تغطية عيوب البيت الماليزي
هنا يعلق ظافر صالح القحطاني، نائب رئيس تنفيذي- لشركة الاستثمارات الخليجية، على هذه التقارير الإعلامية بقوله: «هم يهدفون إلى تغطية عيوب البيت الماليزي الذي تعثرت بعض صكوكه».
وتابع: « قد تكون هذه التقارير بمثابة استراتيجية للتركيز على المشرع الكويتي الذي يتصدر الأحداث أخيراً، وفي نفس الوقت محاولة منهم لصرف النظر عن المشرع الماليزي». و أشار إلى أن مثل هذه التقارير قد تكون بمثابة «أمنية» من جهتين. بحيث يلمحون إلى ضرورة وجود شفافية أكثر من طرف الكويتيين، وفي نفس الوقت يوجهون تحذيرا للجهات المالية الماليزية من المستثمرين بأن يطالبوا بمزيد من الشفافية قبل أن يستثمروا في السندات والصكوك الكويتية».