التأمينات الاجتماعية.. تحسين أوضاع المتقاعدين
كلمة الاقتصادية
في توصية بزيادة معاشات المتقاعدين والمستفيدين من نظام التأمينات الاجتماعية, وافق مجلس الشورى على إجراء تلك الزيادة وعرضها لاتخاذ القرار من قبل مجلس الوزراء, وهذه التوصية التقت توصية سابقة ومماثلة بزيادة معاشات المتقاعدين والمستفيدين من نظام التقاعد المدني لمواجهة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة, فهذا الداء قد أصاب الجميع, ولعل أكثرهم تأثرا المتقاعدين سواء على نظام التأمينات أو نظام مؤسسة التقاعد فالكل يشتكي من الارتفاع في الأسعار, وهذا فرض واقعاً جديداً استوى فيه المتقاعدون، فكثير من المال لم يعد يشتري إلا القليل من السلع، وبالتالي فإنه يجب العمل بكفاح لا يدخله التثاؤب لتحصيل مزيد من المال, وهو أمر متعذّر في الغالب على من بلغ مرحلة التقاعد.
لقد حذر بعضهم, ويبدو أنهم على حق, من ذوبان الشريحة الوسطى في المجتمع السعودي بسبب تضخم الأسعار, فكيف ونحن نخرج من أحداث انهيار سوق الأسهم ليعقبها على الفور تضخم من الصعب تحديد نسبته، وخصوصاً أن الشواهد تشير إلى الفارق الكبير بين نسبة التضخم الرسمية المعلنة ونسبة التضخم الواقعية المعايشة, وهي نسبة مرتفعة جداً حتى إن أخذناها بالحد الأدنى, فالشريحة الوسطى في المجتمع السعودي تمثل 90 في المائة, وهي ستتحرك إلى ما دون إمكاناتها المادية ما دامت الأسعار في ارتفاع متواصل وليس في الأفق ما يشير إلى كبح جماح هذا الداء الذي يصيب القوة الشرائية للعملة.
إن ارتفاع الأسعار يعود إلى أسباب مصطنعة منها ما قام به بعض التجار والصناعيين، استغلوا فيها الارتفاع العام في الأسعار الذي شمل مختلف المكونات الاستهلاكية الأساسية، ويمكن أن يكون الحل في زيادة الدعم الحكومي المؤقت للسلع الغذائية الأساسية ودعم أسعار مواد البناء، ويتم استمرار الدعم المؤقت إلى حين زوال أسبابه، لأن التضخم سيؤدي إلى خلل في تركيبة المجتمع واتساع قاعدة الفقر، واختلال نظام توزيع الدخل والثروة، وزيادة معدلات الجريمة، وإلى ركود اقتصادي على الأمد الطويل، وزيادة معدلات البطالة, وهذا سيجعل للمعيشة شكلاً آخر متى استمر في زيادته المتوقعة.
إن ماكينة الاقتصاد تدور بوتيرة عالية ولن تسمح لأحد بالتوقف إلا إذا خرج من دائرة مواجهة متطلبات الحياة اليومية. ولأن الوصفات العلاجية سبقها التشخيص المتخصص من قبل أطباء الاقتصاد, إلا أنهم لا ينصحون بالمسكنات التي لا يلبث أن ينتهي مفعولها المؤقت لتعود الصدمة مرة أخرى تهز جيوب أصحاب الدخل الثابت الذين لا يستطيعون في الغالب تحسين أوضاعهم لزيادة الدخل بما يوازي نسبة التضخم، وهنا فإن مقدرتهم الادخارية ستكون حرجة جداً في تأمين مستقبل آمن.
إن المطلوب أن يتم ضبط الأسعار وحماية المستهلكين بما لا يتعارض مع ترك الاقتصاد يعمل حسب قوى العرض والطلب, فإن من المفيد أن نسأل عن زيادة الأسعار في بعض السلع والخدمات دونما سبب مباشر يتصل بتلك العوامل التي تؤدي إلى التضخم, فهناك سلع محلية تزايدت أسعارها وكأنها تجاري ما يحصل في الأسواق, وإذا أخذنا تكاليف التعليم الأهلي فإنها مثار للجدل, فليس هناك مبرر واضح سوى مسايرة الوضع الاقتصادي وتمرير زيادة الرسوم باعتباره فرصة ملائمة.
إن مفهوم التكافل في الإسلام يستمد نهجه من مراعاة أحوال الناس وفقاً لمعطيات العصر الحديث, فإن هناك مهمة تقع على عاتق المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في تحقيق العدالة الاجتماعية للمشتركين والمستفيدين من خدماتها, وهو أمر واضح في موافقتها على إجراء الزيادة للمتقاعدين رغم ما يشكله ذلك من أعباء مالية, فالمتقاعد وأسرته يواجهون تكاليف معيشية عالية, ومن المؤكد أن هذه الزيادة ستسهم في مواجهة تكاليف معيشتهم.