لم تفلح كافة المحاولات السودانية والعربية والإفريقية وبعض الوساطات الدولية التي تجري منذ يوليو الماضي في إثناء المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو عن اتخاذ موقف متشدد في مسألة توجيه الاتهام وإصدار أمر اعتقال للرئيس السوداني عمر البشير.
ومنذ ذلك التاريخ جرت مياه راكدة كثيرة في أزمة دارفور، واتخذت الحكومة السودانية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية العديد من الخطوات، ولو من أجل تأجيل أمر الاعتقال لمدة عام، كما تنص المادة 16 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية، إدراكا من هذه الأطراف جميعا أن السودان بإصدار أمر اعتقال رئيسه، لن يكون سوى ساحة للانقسامات والانشقاقات وتفاقم الأزمات الواحدة تلو الأخرى.
مصير السودان كدولة عربية متكاملة الأركان والحدود كما هي منذ نيل الاستقلال أضحى على المحك، فثمة خلافات داخلية كبرى تلف العاصمة الخرطوم من كل اتجاه، وثمة متربصون دوليون تقف على رأسهم الولايات المتحدة، لهم مصالحهم الإستراتيجية والاقتصادية بالسودان، وهناك أطراف عربية وإفريقية تخشى من تداعيات ما قد سيحدث في السودان على مستقبلها.
في هذا السياق يسعى هذا الملف إلى بحث الأبعاد المختلفة لما سيسفر عنه توجيه الاتهام للرئيس السوداني، سواء على الصعيد الداخلي؛ حيث تثور التساؤلات حول المصير المجهول الذي ينتظره السودان، وتأثير ذلك على كافة الأزمات الأخرى المثارة حاليا بالسودان، وما هو مصير اتفاق السلام الشامل، وسواء على الصعيدين العربي والإفريقي؛ حيث هناك خشية من أن تكون تلك المحكمة باتت سيفا مسلطا على رقاب الدول الأخرى.
ولا شك أن تلك القضية لها أبعاد قانونية وأغراض سياسية ودوافع اقتصادية، وربما مخططات جيوإستراتيجية لمحاولة التفرد بأكبر بلد عربي وإفريقي، أو تقسيم السودان كمدخل لإحكام سيطرة القوى الكبرى على التنافس فيما بينها في شرق إفريقيا؛ حيث تتعدد الأهداف والمخططات.. فهل يمكن إنقاذ السودان؟