3 سلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسيين:
مع تزايد حجم تعاملات المستثمر المؤسسي زاد الاهتمام بدراسة تأثير تعاملاته علي أسعار الأسهم. وظهرت العديد من الآراء التي تقترح أن تعاملات المستثمر المؤسسي هي التي تؤدي لزيادة التقلب في أسعار الأسهم، وعدم الاستقرار في الأسواق. وأصبح هناك ميل للاعتقاد بأن المستثمرين المؤسسيين يتجهون للتعامل علي نفس الأسهم، وفي نفس التوقيت، ويعتمدون علي إستراتيجيات قصيرة الأجل في تعاملاتهم .
ومن هنا بدأت الدراسات تتناول مدى وجود سلوك القطيع بين مجموعة المستثمرين المؤسسيين. وعلي خلاف النظرة التقليدية التي كانت تعتبر المستثمر المؤسسي مثال المستثمر الذكي Smart investor الذي يعتمد علي المعلومات المرتبطة بالقيمة في اتخاذ القرار. فإذا كان افتقار المستثمر الفرد للمعرفة بالطرق العلمية لتقييم الاستثمارات هو أهم الأسباب المفسرة للجوء المستثمر الفرد للطرق السيكولوجية في اتخاذ القرار الاستثماري، فإن هذا السبب لا يمكن الرجوع إليه لمحاولة تفسير سلوك القطيع في حالة المستثمر المؤسسي، حيث تعتبر الإدارة المحترفة من أهم خصائص هذا المستثمر، ومن ثم كانت هناك حاجة لأسباب أخري تفسر هذا السلوك في حالة المستثمر المؤسسي. أخذت الدراسات ترصد و تتناول الأسباب التي يمكن أن تؤدي لحدوث سلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسيين .
وقد قدمت هذه الدراسات ست وجهات نظر مختلفة تناولتها في شرح الأسباب التي يمكن أن تؤدي لحدوث هذا السلوك بين المستثمرين المؤسسين.
3-1 مشاكل الوكالة (Agency Problems ) :
يعتبر هذا السبب أكثر ما اعتمدت عليه الدراسات في تفسير حدوث سلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسيين. حيث تسند إدارة أموال المستثمر المؤسسي (صناديق الاستثمار ، صناديق المعاشات ) إلي جهة مستقلة (مدير الاستثمار) عن الجهة المصدرة ( البنك أو شركة التأمين …)Sponsors ، ثم تقوم الجهة المصدرة بتقييم أداء مدير الاستثمار. وفي هذا التقييم يتم مقارنة أداء مدير الاستثمار مع أداء المديرين الآخرين في السوق خلال فترة التقييم. وغالباً ما يفتقر هذا التقييم للموضوعية الكافية للتفرقة في نتائج الأداء بين ما هو راجع لمهارة المدير المالي وبين ما هو راجع لعوامل الصدفة
ومن هنا فإن المدير المالي يفضل أن يتبع نفس الإستراتيجيات وحيازة نفس التشكيلة من الأسهم مثل المديرين الآخرين لتجنب إخفاق أدائه عن أداء مجموعة المديرين الذين تتم المقارنة بهم Peer Group ، ومن هنا ينشأ سلوك القطيع Sharfstein and Stein (1990) ,Lakonishok,et.al (1994)
3-2 المعلومات المرتبطة(Correlated information) :
ترى وجهة النظر هذه أن سلوك القطيع يظهر بين مجموعة المستثمرين المؤسسيين لأنهم غالباً ما يتلقون نفس المعلومات وفي نفس التوقيت ويتبعون نفس طرق تحليل المعلومات، وبالتالي فإنهم يستجيبون للمعلومات بنفس التصرف. ولذلك فإن حدوث مثل هذا السلوك بين مجموعة المستثمرين المؤسسيين وتحركات الأسعار التي تنشأ عنه تكون باتجاه القيم الصحيحة للأسهم Fundamental values، وملافية لأثر التعاملات غير الرشيدة للمستثمر الفرد، وبما يعني في النهاية التحسين من كفاءة السوق عن طريق الإسراع بتضمين المعلومات الجديدة في أسعار الأسهم.
Hirshleifer ,et.al(1994),Froot,et.al.,(1992)
3-3 قادة السوق Market leaders :
ترتبط هذه النقطة بدراسة هيكل صناعة إدارة الاستثمارات في السوق Structure of money management industry ، ومدي وجود شركات إدارة استثمارات كبيرة تسيطر علي حصة كبيرة من السوق، فمثل هذه المجموعة من مديري الاستثمارات قد يعتقد أن لديهم القدرة علي الوصول لقدر أكبر من المعلومات الخاصة Better-informed managers . وفي هذه الحالة يمثل هؤلاء المديرين قادة للسوق؛ إذ يحاول المديرون الآخرون استقاء هذه المعلومات عن طريق تتبع اتجاهات التعامل لقادة السوق والتعامل في نفس اتجاهاتهم، ومن ثم يظهر سلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسيين.
وفي هذه الحالة قد يكون سلوك القطيع بين المستثمر المؤسسي بدرجة أكبر من المستثمر الشخصي إذ أن المعلومات عن تعاملات المستثمر المؤسسي تكون متاحة بدرجة أكبر،وكذلك تبادل الآراء بين المديرين وبعضهم البعض Lakonishok,et.al., (1992).
3-4 العوامل النفسية (Psychological factors ) :
تقترح بعض الدراسات أن العوامل السيكولوجية غير الرشيدة Irrational psychological factors يمكن أن تؤدي لحدوث سلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسيين. فمتخذ القرار في المؤسسة هم أفراد وليسوا بمعزل عن تأثير العوامل السيكولوجية، مثلهم في ذلك مثل المستثمر الفرد Shiller (1989) .
3-5 خصائص أسهم المستثمر المؤسسي(Security characteristics):
قد يحدث سلوك القطيع لأن المستثمرين المؤسسيين يشتركون في رؤيتهم لبعض الخصائص المرغوبة أو غير المرغوبة في الأسهم التي يحوزونها و يتعاملون عليها، مثل تحديد مستويات سعرية معينة للبيع و الشراء،أو مستويات السيولة ،أو تكلفة العمليات Wermers (1999) .
3-6 نقص المعلومات (Limited information ):
في البيئة أو الحالات التي تتسم بقلة المعلومات المتاحة عن الأسهم موضع التعامل قد يلجأ مديروا الاستثمار إلي تبادل النصائح حول جودة الأسهم مما يؤدي للارتباط بين تعاملاتهم. وهذا يفسر أن سلوك القطيع يظهر بشكل أكبر في التعاملات علي بعض الأسهم دون الأخرى، مثل ظهوره في حالة التعامل علي الأسهم الصغيرة بدرجة أكبر من الأسهم الكبيرة .
4 أثر سلوك القطيع على كفاءة السوق:
تشير نتائج بعض الدراسات (,Wermers (1999 Nofsinger and Sias(1999) الخاصة بسلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسيين إلى أن المستثمر المؤسسي يستطيع تحقيق عوائد من خلال اتباع هذاالسلوك. وبما يعني أن اتباع سلوك القطيع من قبل المستثمرين المؤسسيين يبدو كسلوك رشيد، بينما تختلف نتائج الدراسات حول تأثير هذا السلوك على كفاءة السوق .
ففي حين تظهر نتائج بعض الدراسات أن هذا السلوك بين المستثمرين المؤسسيين يرجع للتعامل على المعلومات ومن ثم يعجل بوصول الأسعار للمستويات العادلة لها بناء على المعلومات، وتكون العوائد المحققة من هذا السلوك في كل من الأجل القصير والطويل. إلا أن دراسات أخرى Grinblatt,et.al (1995) تشير إلى أن هذه العوائد المحققة إنما تتحقق في الأجل القصير فقط ، حيث تعود أسعار الأسهم التي تم شرائها في قطيع للتراجع مرة أخرى وبما يعني أنه لم تكن هناك معلومات تقف وراء اتباع المستثمرين المؤسسيين لهذا السلوك. ولذلك فإن سلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسيين يسهم في إضعاف مستوى كفاءة السوق من خلال زيادة التقلب في الأسعار.
وتشير بعض الدراسات Lakonishok,et.al (1992) إلى أنه لايمكن القطع بوجود تأثير لسلوك المستثمرين المؤسسيين علي الإسعار أذ يتبع المستثمرين المؤسسيين مزيج متنوع من الأنماط الاستثمارية بحيث تتلافى أثار تعاملات كل منهم من خلال تعاملات الآخرين.
دراسة سلوك القطيع في السوق المصري
تهدف دراسة سلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسيين للإجابة على مجموعة من الأسئلة
هل يمكن رصد سلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسين في سوق الأوراق المالية المصري؟ وهل يختلف هذا السلوك بين المستثمرين المؤسسين وبين المستثمرين الأفراد؟ في حالة وجود مثل هذا السلوك فما هو تأثيره على الأسعار؟ هل يؤدي وجود سلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسين إلى زيادة التقلب في أسعار الأوراق المالية وهل يختلف هذا الأثر لسلوك القطيع ببين المستثمرين المؤسسيين على الأسعار عن الأثر الذي يحدثه وجود سلوك القطيع بين المستثمرين الأفراد ؟
ثانياً : مناقشة نتائج تحليل واختبار سلوك القطيع:
1. ظهورسلوك الفطيع بين المستثمرين المؤسسيين:
? أظهرت نتائج الدراسة مؤشرات لوجود سلوك القطيع بين مختلف مجموعات المستثمرين، ويظهر هذا السلوك بدرجة أكبر بين الصناديق عنه بالنسبة للأفراد والمؤسسات، وذلك خلال الفترات الزمنية الأطول ( المؤشر الشهري)، ويظهر هذا السلوك بدرجة أكبر مما أظهرته بعض الدراسات التي أجريت علي أسواق أخرى.
* يظهر سلوك القطيع بين الصناديق في اتجاه الشراء بدرجة أكبر مما يظهر في اتجاه البيع؛ وهذه النتيجة يمكن أن تفسر بأن سلوك القطيع بين الصناديق يظهر كنتيجة لاستجابة الصناديق لنفس المؤشرات، مما يؤدي لظهور سلوك القطيع في حالة الشراء، بينما تتعد الأسباب التي تؤدي لقرار البيع، مثل الحاجة لسيولة لرد الوثائق، أو تحسين صورة محفظة الصندوق قبل نشر القوائم، كما أظهرت ذلك نتائج دراسة Kim and Madhavan(1995) لدوافع التعامل بين الصناديق. ويمكن أن يفسر ذلك أيضاً بأن الصناديق تكون حريصة على الدخول الجماعي للسوق للتأثير على الأسعار، وقيادة موجة صعودية في الأسعار، بينما تحرص على عدم الخروج الجماعي من السوق حتى لا يحدث هبوط مفاجئ في أسعار الأوراق التي تحوزها، خاصة مع سيطرة عدد محدود من مديري الاستثمار علي إدارة الصناديق في السوق المصري(1) .
* ظهر سلوك القطيع بين الصناديق بدرجة أكبر بالنسبة للأسهم القائدة في السوق؛ ويعني هذا أنه لا يمكننا تفسير سلوك القطيع بين الصناديق لنقص المعلومات المتاحة عن الأسهم التي يظهر هذا السلوك بالنسبة لها. وتعضد هذه النتيجة أن سلوك القطيع ينشأ بين الصناديق كنتيجة لاتباعهم نفس الاستراتيجيات واستجابتهم لنفس المؤشرات وليس كنتيجة لنقص المعلومات.
* النتائج السابقة تدعم بشكل قوي الفرض الفرعي الأول والذي يقضي بوجود سلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسيين بدرجة معنوية،وتقود لقبول الفرض الفرعي الأول إجمالاً.
2. تأثير سلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسيين على الأسعار:
* تشير النتائج إلى وجود علاقة إيجابية متزامنة بين ظهور سلوك القطيع بين الصناديق وبين العوائد المتجمعة للأسهم، حيث ظهرت أكبر قيم لمؤشر سلوك القطيع بالنسبة لمحافظ الأسهم ذات أعلى عائد. كذلك ظهرت علاقة ارتباط إيجابي قوي بين المؤشر الشهري لسلوك القطيع بين الصناديق وبين العائد لمتجمع لنفس الشهر،وكذلك بالنسبة للعلاقة بين المؤشر اليومي لسلوك القطيع بين الصناديق وبين العائد المتجمع لخمسة أيام تالية.
* وإذا تم ربط هذه النتيجة مع نتائج اختبار الفرض الأول التي أظهرت أن سلوك القطيع يظهر بين الصناديق في حالات الشراء، فإن ذلك يتفق مع نتائج دراسة (Wermers,1999) والذي وجد أن الأسهم التي تشتري في قطيع يكون لها عوائد متزامنة أكبر من تلك التي تباع في قطيع.
“We find that stocks strongly bought by herds outperform those strongly sold by herds.”( Wermers,1999)
* وتتفق كذلك مع نتائج دراسة (Nofsinger and Sias,1999) حيث أظهرت الدراسة علاقة ارتباط ايجابي قوي بين العوائد وبين سلوك القطيع للمستثمر المؤسسي.
“there is a strong positive relation between annual changes in institutional ownership and returns over the herding interval” (Nofsinger and Sias,1999)
* هذه النتائج تدعم الفرض الفرعي الثاني، والذي يقضي بوجود تأثير معنوي لسلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسيين على عوائد الأسهم. ولكنها في نفس الوقت يمكن أن تفسر بفرض بديل وهو أن العوائد تقود سلوك المستثمر المؤسسي Positive feedback trading، وعلي ذلك فإننا نقبل الفرض الفرعي الثاني على الأقل بشكل جزئي بالنسبة لنتائج العلاقة بين المؤشر اليومي لسلوك القطيع بين الصناديق وبين العائد المتجمع لخمسة أيام تالية.
3. تأثير سلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسيين على التقلب في الأسعار:
* تشير النتائج لوجود علاقة إيجابية معنوية بين التقلب في العوائد مقاساً بالانحراف المعياري وبين مؤشر سلوك القطيع بين الصناديق، في حين لم تظهر العلاقة معنوية بين التقلب في العوائد وبين سلوك القطيع بين الأفراد؛ وهذا يعني أن سلوك القطيع بين الصناديق يلعب دوره في زيادة درجة عدم الاستقرار في السوق destabilizing rule.
* وتدعم هذه النتائج الفرض الفرعي الثالث، والذي يقضي بوجود علاقة بين سلوك القطيع للمستثمر المؤسسي وبين زيادة التقلب في عوائد الأسهم، وكذلك الفرض الفرعي الرابع، الذي يقضي بأن العلاقة السابقة تكون بدرجة أكبر في حالة سلوك القطيع بين المستثمرين المؤسسيين، منها في حالة سلوك القطيع بين المستثمرين الأفراد.
* هذه النتيجة تتفق مع نتائج دراسة (Sias,1996) والتي أظهرت علاقة ارتباط متزامن بين الزيادة في ملكية المستثمر المؤسسي وبين التقلب في العوائد.
4. الفرض الرئيسي لسلوك القطيع :
النتائج السابقة بالنسبة للفروض الفرعية تقود لقبول الفرض الرئيسي بالنسبة لسلوك القطيع إجمالاً، والذي يقضي بأنه:
"يوجد تماثل بين اتجاهات التعامل لمجموعة المستثمرين المؤسسيين في سوق الأوراق المالية وبما يخلق نمطاً موحداً للتعامل المؤسسي يؤدي لتعظيم الأثر الذي تتركه هذه التعاملات علي أسعار الأسهم"
(منقووووووول)