بسم الله الرحمن الرحيم
التربية.. بتصويب الخطأ فورًا
أعزائى المربين والمربيات..
من فضلكم! لا تضيقوا ذرعًا بأخطاء الأبناء، فإن وقوعها منهم ـ خاصة فى الصغر ـ أمر طبعي، بل هو سبيل لوصولهم للثوابت الصحيحة، وتعلمهم للسلوك القويم، فمن أخطائنا نتعلم، وقد ورد فى حديث النبي r: ((كل بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوّابون)) [حسنه الألباني]، وورد أيضًا عنه r: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)) [رواه مسلم].
هذه هى القاعدة، إذن فليس الوقوع فى الخطأ هو نهاية العالم، مادام يتبعه ويتلوه التصحيح والتصويب الذى عبّر عنه الحديث الشريف بالاستغفار والتوبة.
ولقد أخذ علماء النفس والتربويون حديثًا يؤكدون على أسلوب مؤثر من أساليب تصحيح الأخطاء، ألا وهو (التصحيح الذاتي للأخطاء)؛ حيث يطلب الآباء أو المعلمون ممن يخطىء أن يقوم بنفسه بتعديل أو تقويم الاعوجاج الذي حصل منه، ويطلق على هذا الأسلوب في ميدان علم النفس: over correction، ويمكن أن نوضحه من خلال الأمثلة الآتية:
1- عندما تطلب المعلمة من التلميذ أن يعيد كتابة الكلمة التي لم يكتبها بالشكل الصحيح مع شيء من المساعدة والتصحيح.
2- يطلب المعلم من التلميذ أن يعتذر لصديقه ويستقبله بعبارات مهذبة فى حال تلفظه بعبارات نابية.
3- عندما تطلب الأم من ولدها تنظيف الطاولة وترتيبها بعد أن تراكمت عليها أغراضه ولعبه!
وقد يحتاج المربي إلى تطبيق هذه القاعدة في ميدان التربية بحكمة شديدة، وهي من أفضل طرق العقاب لأنها لا تقلل من السلوك السلبي فحسب؛ بل أيضًا تساهم فى تعزيز السلوك الإيجابي.
وإذا كانت النصائح العامة والمواعظ الهامة التي نوجهها لأبنائنا كثيرًا ما تتبعثر مع رياح النسيان، فإن التجارب الذاتية والخبرات الحية عادة تظل أكثر رسوخًا وأعمق تأثيرًا فى نفس الإنسان الذي يمر بها، ومن هنا فإن أسلوب التصويب الذاتي للأخطاء في ميدان التربية له تأثير كبير وعميق في تنمية وتهذيب سلوك الطفل؛ لأنه:
1- يقوم على أساس الممارسة العملية وتنمية الاتجاهات الإيجابية لدى الطفل المخطىء.
2- كما أن هذا الأسلوب يستمد تأثيره من التعاقب والفورية فى تصحيح الخطأ.
3- ولأن التصحيح يكون ذاتيًا؛ حيث يعتمد هذا الأسلوب على أن يقوم الطفل نفسه بتصويب الخطأ (بتوجيه من الوالد أو المربي) ولا يقوم أحد نيابة عنه بهذا التصحيح.
ولقد استخدم النبي r هذا الأسلوب فى تربيته وتعليمه لأصحابه ولأطفال الصحابة أيضًا، فقد روى النسائي والترمذي وأبو داود وأحمد عن كلدة بن الحنبل أن صفوان بن أمية بعثه فى الفتح (فتح مكة) إلى النبي r بلبن وجداية وضغابيس والنبي r بالوادي، قال: فدخلت عليه ولم أسلّم ولم أستأذن، فقال النبي r:((ارجع فقل السلام عليكم، أأدخل؟))، وذلك بعد ما أسلم صفوان [صححه الألباني].
والجداية: الذكر والأنثى من أولاد الظباء إذا بلغ ستة أشهر أو سبعة، والضغابيس: صغار القثّاء.
ومثل ذلك حديث المسيء صلاته الذي قال له النبي r لما رآه لا يحسن الصلاة ويتعجل فيها: ((ارجع فصل فإنك لم تصلِِ)) [متفق عليه].
ولكن هل يصلح هذا الأسلوب كعلاج لكل موقف؟
تؤكد الدراسات الميدانية في علم النفس أن تصويب الخطأ من أكثر الوسائل التربوية تأثيرًا، كما يمكن تطبيقه مع الطفل العدواني، وكثير من أعمال الشغب والفوضى والسلوكيات الغير مرغوب فيها في المنزل والمدرسة يمكن مواجهتها بالتصويب الذاتي، ولكن ذلك لا يعني أبدًا أن تصويب الأخطاء كأسلوب تربوي يصلح لكل موقف، فعلى المربي دائمًا أن يقدّر العقوبة بقدرها، ويبحث عن الوسيلة التربوية الرادعة والنافعة حسب شخصية الطفل الذى يتعامل معه، وظروفه النفسية والاجتماعية، وطبيعة المشكلة أو الخطأ الذى يريد تصحيحه.
وتظل هناك بعض الحالات التي يتعذر فيها استخدام طريقة التصحيح الذاتي، كأن يكون الطفل صغيرًا لا يستطيع إزالة قطع الزجاج المتهشم الذي كسره بالكرة أثناء لعبه، وإذا طلبنا منه تنظيف آثار ما كسره فإنه قد يصاب بالضرر لقلة خبرته بتلك المهمة وعدم قدرته على القيام بها.
لذلك نؤكد أن طريقة التصحيح الذاتي للأخطاء يجب أن تكون واقعية؛ بمعنى أن تكون متلائمة مع قدرات الابن الفكرية (هل يفهمها بوضوح؟)، والجسدية (هل يستطيع الولد تنفيذ أو تحمل العقاب الذى اخترناه؟).
وإليكم ـ أعزائي المربين والمربيات ـ بعض المبادىء العامة التي يجب علينا أن نراعيها أثناء تطبيق أسلوب التصويب الذاتي:
1- الهدف من التصويب الذاتي هو تقليل أو إزالة السلوك غير المقبول من خلال إصلاح ما تم إفساده، كما يهدف التصويب الذاتي إلى تمرين الابن أو الطالب على الفعل الصحيح.
2- من الأفضل أن يقتنع الطفل المعاقب أن السلوك الذى صدر منه غير مرغوب، وعليه أن يتراجع عنه ويصححه بعمل إجرائي.
3- التصويب الذاتي يكون من جنس العمل، فإذا بعثر الطفل أثاث المنزل فعليه أن يعيد ترتيبه وهكذا.
4- يجب أن يكون التصويب واضحًا ومحددًا زمانًا ومكانًا، كأن نطلب من الابنة أن تشتري لأختها كراسة بدل التي أتلفتها لها، وذلك بأن تدفع ثمنها من مصروفها، وتسلمها الكراسة على الغداء أمام أفراد الأسرة.
5- يجب أن يكون التصويب مناسبًا لعمر الطفل وشخصيته والموقف الذي وقع فيه، فلكل مقام مقال، فلا نطلب مثلًا من الطفل ذي الأربع سنوات أن يجمع من مصروفه ثمن الكمبيوتر الذي أفسده!!
6- لا تستخدم التصويب في كل الحالات، بل هي مبنية على تقدير واجتهاد المربي، فهناك أخطاء لا تستدعي الوقوف عندها لأنها عفوية غير مقصودة، وهناك حالات تحتاج إلى أساليب أخرى وهكذا.
7- يجب أن يكون التصويب الذاتي فوريًا؛ أي بعد حدوث الخطأ أو السلوك الغير مرغوب فيه مباشرة.
8- يجب أن يعلم الطفل المخطىء أن الفعل الخاطىء الذى صدر منه غير مرغوب فيه، وأن المربي يكره هذا الفعل الخاطىء وليس الفاعل نفسه، أي أنه كشخص يحبه الجميع ولكن يرفضون صدور الخطأ منه.
9- إذا قام المخطىء بتصويب خطأه فإنه يستحق حينئذ كلمة ثناء أو تعزيز وثواب.
وأخيرًا..
لابد أن نتذكر دائمًا أن هدفنا هو تربية أبنائنا تربية صالحة، وتعليمهم القيم الراشدة، وليس قهرهم من خلال العقاب، ولابد أن تصلهم منّا هذه الرسالة حتى يستجيبوا لنا عندما نصوّب لهم الأخطاء.
منقووووول "المفكرة"