بسم الله الرحمن الرحيم
أزمة غذاء .. أم أزمة الرأسمالية؟
عبد الوهاب الفايز
أزمة الغذاء العالمية .. لماذا أصبحت مصدر قلق للحكومات والمجتمع الدولي؟
هل هي مؤشر على أزمة حقيقية للرأسمالية؟
الذين يهمهم الاستقرار وأخذ المجتمعات الإنسانية إلى حقبة جديدة تقوم على استثمار المكتسبات بعيدا عن الدمار والتخريب، هؤلاء يخشون أن تتحول الاحتجاجات بشأن أوضاع الغذاء من احتجاجات اقتصادية إلى احتجاجات سياسية أكثر عنفاً مستمدة زخمها من الأبعاد الرمزية والوجدانية لـ (لقمة العيش) والبطون الجوعى .. والتاريخ حافل بالدروس والأمثلة، لذا نجد المجتمع الدولي يبدي قلقاً موضوعياً حيال الأزمة الحالية وتداعياتها المستقبلية، وثمة مؤشر على أن ترابط مصالح الدول والشعوب مع انفتاح الأسواق هو الذي يدفع الاهتمام العالمي لمواجهة أزمة الغذاء.
قلق المؤسسات المالية الرئيسية ومعها حكومات الدول الكبرى، وأيضا المجموعات التجارية العملاقة عابرة القارات له مبرراته، فأزمة الغذاء تبلورت وتتزامن الآن مع انكشاف أزمة قروض الإسكان، وهي الأزمة التي بدأت تطيح ببنوك عملاقة ولم تبلغ بعد ذروتها عالمياً، والأزمتان في (المسكن) و(الغذاء) هما رسالة واضحة عن مدى البعد الخطير الذي سوف تدخله البشرية إذا انتقلت الرأسمالية لتكون فوضوية ومتوحشة، أي عندما تضع البشرية المصالح التجارية البحتة مقدمة على الحقوق الأساسية للإنسان.
أيضا المياه والأوضاع المحيطة بها سوف تفاقم أزمة الغذاء، فارتفاع تكلفة المياه الصالحة للشرب وللزراعة وما يصاحب ذلك من استمرار معدلات النمو السكاني وتراجع معدلات النمو الاقتصادي في أجزاء عديدة من العالم، كل ذلك يأخذ العالم لحقبة ساخنة في النقاش الفكري العالمي حول مناطق الثراء والفقر في العالم .. وما يترتب على ذلك من تفاوت طبقي عالمي كبير.
لقد قادت سياسات السوق المفتوح والبيئة التنافسية المتاحة للأفراد والشركات والدول إلى النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات التحسن في جوانب عديدة للحياة .. ولكن لكل شيء ثمنه. النجاح الذي يتحقق في بيئة معينة هو على حساب أخرى والترقي الاجتماعي والاقتصادي أصبح في السنوات الأخيرة يتم على حساب الاستحواذ على حصة قائمة لطرف آخر، أي لم يقم في إطار توسيع دائرة الرخاء الاقتصادي والاجتماعي. وهذا مصدر الخلل في استمرار سياسات النمو والتوسع.
عقيدة النمو المتسارع لا شك أنها إيجابية سواء للدولة أو للشركة أو للفرد، ولكن الإشكالية مع النمو في إطاره المطروح في فلسفات السوق المفتوح والنظام الليبرالي الرأسمالي هو أن النمو يجب أن يصحبه توسع في الموارد الجديدة وأيضا توسع في الإنفاق، والمشكلة هنا تبرز إذا كان التوسع في الموارد يقوم على التملك والاستحواذ وليس عبر توليد الثروة، وأيضا هو مشكلة إذا كان التوسع في الإنفاق موجها للكماليات وليس لأساسيات الحياة التي تؤسس لإنتاج الثروة.
الذين تناولوا اتجاهات النمو في النظام الرأسمالي العالمي كانت مخاوفهم هي عدم تكامل النمو أو تزامنه مع استمرار التوسع في الديمقراطية أو أي شكل يؤدي إلى الحكم الصالح، فمع ثبوت فشل النظم الاشتراكية في مناطق عديدة من العالم يخشى الآن ومستقبلا أن تفشل الرأسمالية أيضا في إعادة التوازن إلى النمو العالمي إذا لم تكن الأنظمة السياسية قادرة على إيجاد الآليات التي تضمن عدم انسياق الناس للعبودية في إطار الرأسمالية.
الدولة مسؤوليتها البحث الجاد والمستمر لتحقيق العدالة في النمو وفي الفرص المتاحة للجميع، وأبرز المقومات التي أدت إلى التعايش السلمي ونبذ الصراعات والعنف هي المقومات التي تتيح للناس العدالة في الفرص وفي كل ما يؤدي إلى مقومات الحياة الكريمة .. الناس في كل البيئات والمجتمعات من طبيعتها البساطة والنزوع إلى التعايش السلمي، فالأغلبية تتطلع إلى المقومات الأساسية للحياة حتى لو في حدها الأدنى .. بالذات في الأمن، الغذاء، التعليم، الصحة، والمسكن.
الاقتصادية
http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=9147